قطع البازل الناقصة

927

 

 أنا ياسمين عادل فؤاد..

 

– كاتبة عادية، أملك بعض الموهبة مع كمية لا بأس بها من الإحساس، لكنني في الوقت نفسه لا أعرف كيف أُحسِن توظيف ذلك أو أن أُطَوِّر من نفسي فأظل واحدة من آلاف الكُتَّاب، ليس لديّ ما يُميزني، ورُبما لن يكون لديّ أبدًا. 

 

– امرأة ليست جميلة بشكل كافٍ للدرجة التي تُشعرني بالطمأنينة وتمنحني الثقة بالنفس، بالإضافة إلى كوني لا أُصَنِّف نفسي كــ”أنثى” بالأساس، جسدي ليس مثاليًا وكلما وصلت لوزني الأفضل سرعان ما أعود فأكتسب بعض الكيلوجرامات، لأصبح كالثور في الساقية بين الدايت والشراهة، فلا أهنأ يومًا.

 

– زوجة لا تعرف كيفية التوفيق بين مسؤولياتها العديدة، فينتهي بي الأمر غاضبةً وشاعرةً بالذنب، ومن ثَم أُقرر التَوَقُّف عن فعل كل شيء وليذهب العالم للجحيم، ما دمت مهما فعلت لن أصل للكمال ولو في شيء واحد يُشعرني بالتَفَرُّد.

 

– أم تسألها ابنتها كل يوم عن سر حاجبيها المُقطَّبين في أغلب الوقت الذي تتحدث فيه معها، فتكتشف أنها جادة أكثر من اللازم مع طفلة في الرابعة من العمر لم تختبر من وجه الحياة العبوس بَعد سوى وجه أمها الصَعب، ما يسقط في قلبي، فأحزن، ويزداد سخطي على نفسي.

 

– حبيبة تشتاق للبدايات حيث التَفرُّغ للحب/ الحبيب، والاعتقاد بأنها إحدى ربات هذا الكون، يُمكنها أن تُحيل الجليد نارًا، وأن تفعل المُستحيل حَد إيمان الآخر بها، دون أن يرى بها عيبًا واحدًا. لكن البدايات تمضي، ويأخذ الحُب أشكالاً أخرى رُبما تكون أكثر نُضجًا وأشد عُمقًا، إلا أنه وسط المسؤوليات اللا نهائية، يصبح خاطفًا، نختبره لدقائق وسط يوم طويل، يغلب عليه الطابع الجاد، فنتذكر ما نفتقده ونزداد عطشًا.

 

– صديقة محبوبة، قريبة، مهمة للكثيرين، لكن ليس للحَد الكافي لأكون صديقة أحدهم المُفَضَّلة، التي لا يُمكن الاستغناء عنها أو الشعور بالنَقص حين أغيب، علمًا بأنني لا أريد أن أكون هكذا لأحدهم، أنا فقط أفتقد الفكرة في ذاتها ليس إلا.

 

هكذا هو الأمر إذًا..

كل المهام التي عليّ أن أقوم بها تبدو مُشوَّهة ومنقوصة، أدائي يغلب عليه الطابع الفوضوي المبتور، أنظر إلى اللوحة التي هي حياتي فلا أرى سوى قطع البازل الناقصة في كل مكان، فلا أعرف هل ستكتمل الصورة يومًا أم سأظل هكذا للأبد، تملؤني الثقوب.

 

أُحاول أن أسرد مميزاتي على مسامعي، فأنا في النهاية لست امرأة مُنسحقة لم تفعل شيئًا، لكن حُبي للمثالية يجعلني لا أرى إلا الفراغ الذي لم أنجح في ملئه.

أسأل نفسي.. ما الذي لديّ أمنحه لزوجي فأكون المرأة التي كان محظوظًا لأنه اختارها؟ فلا أجد شيئًا! صدقوني أنا لست متواضعة، كل ما في الأمر أنني مُدركة مدى تقصيري الفاحش في حَق رجل أعرف أن لديّ ما هو أكثر لأمنحه إياه، لكن طاقتي السلبية تجعلني لا أقوى على فعل شيء.

 

أشعر بالشفقة تجاه ابنتي التي ستكبر يومًا فتجد أمها محض امرأة عادية ليس لديها ما يُميزها، امرأة غير راضية عن نفسها، ليس لديها ولو أكلة واحدة تطبخها بطريقة عظيمة يتم التحاكي بها، فتأكل الابنة صوابعها وراها. حتى أنني كثيرًا ما أتساءل: تُرى هل يمكن أن يكون هذا أحد أسباب غضب ابنتي الدائم على الأكل ونفورها منه؟

 

حسنًا..

ليس هذا هو شعوري الدائم عن نفسي بالطبع، لكن هذا لا يمنع أنني صرت أغلب الوقت أرى الوضع بتلك الطريقة المقيتة التي تُزيدني انهزامًا، أُخبر نفسي أنني بُرج الميزان ولا بد أن لهذا بعض التأثير باعتباره بُرجًا ينشد أصحابه الكمال.

 

ثم أبدأ في البحث على الإنترنت لعلي أعاني من عطبٍ ما، فأكتشف نوعًا من الفوبيا يُعرف باسم “Atelophobia” يُعاني أصحابها الخوف من النُقصان وعدم الكمال، إذ يخشون كونهم لن يستطيعوا الوصول لسقف طموحهم العالي جدًا في أي شيء يفعلونه، ما يجعلهم يتوقفون عن عمل كل الأشياء مُقدمًا.

هذا النوع من الفوبيا له درجات عديدة، أحدها هذا الشعور الذي يلازمني بالإحباط الدائم مهما فعلت أو أنجزت. إذًا المسألة ليست اعتباطية أو تهيؤات، هناك خلل ما عليّ إصلاحه حتى أستطيع أن أشعر بالرضا عن نفسي مُجددًا.

 

فليكن هذا هو تحدي 2017 الخاص بي، ولتكن أولى خطوات العلاج هي ثقتي بأنني قادرة على هزيمة هذا المرض النفسي، فهل يُمكن أن أنجح هذه المرة وأصل للكمال في محاولتي للتغلب على عدم مقدرتي في الوصول إليه بالمقام الأول؟! 

يبدو الأمر عبثيًا جدًا، لكنه يُغري بالمحاولة.

للمعرفة أكثر عن الـــAtelophobia يُمكنكم الاطلاع هنــــا وهــــــــنا

المقالة السابقةصندوق الحواديت 2: تاج جميلة
المقالة القادمةفي رثاء فتافيت والحياة الحلوة
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا