في مسلسلات رمضان.. الاستحواذ باسم الحب

708

معنى الاستحواذ في معجم المعاني:

استِحواذ: (اسم)

مصدر اسْتَحْوَذَ

الاسْتِحْوَاذُ عَلَى أَمْلاَكِ الغَيْرِ: الاسْتِيلاَءُ عَلَيْهَا

استحواذ الكرة: السيطرة والتحكّم في كرة القدم أو كرة اليد أو كرة الماء طوال المباراة.

في علوم النفس: الانشغال بفكرة معيّنة أو شعور أو عاطفة غير مرغوب فيها، وعادة ما يصاحبها القلق الشديد.

***

شاهدت عددًا من المسلسلات في رمضان الحالي، وهذا على خلفية عملي على اللابتوب طوال الوقت، مسلسلين أو ثلاثة فقط أتابعها بدقة، أما الباقي فأسمعه كأنه مسلسلات إذاعية، ولاحظت أمرًا لافتًا في مسلسلات هذا العام، فعن طريق الصدفة ناقشت 3 مسلسلات نظرية الاستحواذ في العلاقة، سواء كانت علاقة عاطفية أو علاقة أسرية.

 

الاستحواذ هنا هو محاولة أحد أطراف العلاقة أن يكون هو المسيطر بالكامل على حياة ومشاعر الطرف الآخر، ويقوم غالبًا بهذا الأمر بدافع الحب كما يدعّي، ولكن النتيجة دائمًا ما تكون سلبية. وكلما زادت مقاومة الطرف المستحوَذ عليه، زادت حدة الطرف المستحوِذ وازدادت أساليبه عنفًا.

 

الوحوش اللي برة دول.. “الرحلة”

كان “أسامة” عنيفًا منذ البداية، حبس زوجته منذ اليوم الأول للزواج ومنعها من الخروج من المنزل، حاولت “رانيا” الهروب مرارًا من سجن زوجها، قاومت بكل ما أوتيت من قوة، فجعلها تدمن الحبوب المهدئة وأصبحت خادمة مطيعة له في سبيل الحصول على المهدئات، وحاول “أسامة” مرارًا إقناعها أنه يفعل ذلك حماية لها من الأشرار والوحوش الذين يتربصون بها خارج جدران المنزل، وأنها لن تتحمل قسوتهم، وأنه يمنع عنها أذاهم لحبه الشديد لها، حتى تهرب أخيرًا منه.

 

خلينا نشوف المصيبة اللي وقعتنا فيها.. “بالحجم العائلي”

يبتعد “نادر” عن القاهرة وترفض “ثريا” زوجته نقل إقامتها معه، لتصبح فرصتها سانحة كي تستحوذ على حياة أبنائها رغم كبر سنهم. لم تُرِد أن يبتعدوا عن الخطوط التي رسمتها لهم، ولكنها كانت فاشلة في نفس الوقت، فلم تحكم قبضتها الاستحواذية عليهم، فلما ابتعدوا عنها قليلاً ارتكبوا أخطاءً جسيمة، وسرعان ما يعودون إليها كي تصلح لهم ما فعلوه، وتضطر هي إلى ذلك حتى لا تظهر بشكل فاشل أمام زوجها، وكلما فشلوا استطاعت أن تُحكِم سلطتها عليهم.

 

عزييييز.. “ليالي أوجيني”

تصبح “ماجدة” العائلة الوحيدة لابنها “عزيز”، فلا تشترك معه في تفاصيل حياته، بل تجبره على الانصياع لها، فيفعل.. يحب فتاة لا تجدها والدته مناسبة له فتبعده عنها، لا يحاول “عزيز” الدفاع عن حبه ولا عن نفسه، ينسحق تمامًا أمام والدته حتى في اختيارها لما يأكله ومن أين يبتاع الخبز، يأكل النصف السفلي من الخبز لأنها لا تأكل إلا النصف العلوي.

 

تنحصر مقاومة “عزيز” في رفضه للزواج، رغم أن سنه تعدّت السن الطبيعية للزواج، في بعض النظرات اللائمة لوالدته، في لحظات مسروقة مع حبيبته، ولكنه سرعان ما يعود مجددًا لقوقعة الانصياع وانتظار الأوامر التي تمليها عليه والدته، لذا عندما فوجئ بوفاتها جلس بجانبها حائرًا سائلًا إياها “أعمل إيه؟”.

 

في حياتنا العادية لقطات من محاولات الاستحواذ على من نحبهم باسم الحب، تختلف الدرجات بقدر اختلاف الثقافة والمقاومة، فعبارات مثل “أنا اللي صرفت عليكم”، “محدش هيحبك قدي”، “أنا مامتك/ باباك وأعرف أكتر منك”، كلها عبارات مغلّفة بالحب والخوف على الأبناء، ولكن بداخلها تحمل ألف طريقة للاستحواذ، ورغبة الأهل في أن يسير الابن أو الابنة على خطاهم هم، غير مدركين أنهم بهذا يدمرون أبناءهم بدلًا من بنائهم.

 

من يعمل بقضايا المرأة يعلم عدد النساء اللاتي تظل أسيرة العنف المنزلي، سواء كان معنويًا أو بدنيًا، ويقررن البقاء بإرادتهن دون إظهار أي رغبة في الرحيل، لأن الطرف المستحوذ يبرر كل أفعاله بالحب، يسرق دراستها ورسالة الماجستير الخاصة بها بدعوى المحبة، فتوافق، يمنعها عن العمل أو رؤية الأصدقاء بدعوى الخوف عليها من الآخرين فتقتنع، يبعدها عن أهلها تدريجيًا حتى يصبح هو سندها الوحيد، فترضخ في النهاية بسبب الخوف.

 

المشكلة أن الكثيرين بالفعل لا يرون أن ما يفعلونه أمر خاطئ أو مؤذٍ، خصوصًا الطرف المستحوِذ الذي يحب الطرف الآخر حتى يرغب في امتلاكه بشكل تام، يعتقدون أمام أنفسهم أن هذا مجرد تعبير عن الحب، ولا يفهمون لماذا يحاول الطرف الآخر الهروب، أو على الأقل لا يتفهم كل هذا الحب.

 

المشكلة الأكبر أن يقتنع الطرف الآخر أن هذا الاستحواذ هو حب بالفعل، وليس أن الآخر مجرد مريض نفسي بحاجة إلى العلاج، أن يستسلم بالفعل ويتوقف عن المقاومة، فتُلغى شخصيته ويصبح مجرد تابع بلا هوية أو رأي أو حياة.

 

لذا راجعوا كل أشكال علاقاتكم، إن كنتم تشعرون بأن الطرف الآخر في العلاقة يحاول السيطرة عليكم، قاوموا هذا وابتعدوا، وإن كنتم أنتم الطرف المستحوِذ سواء على شريك حياة أو أبناء، فالعلاج النفسي هو الأفضل، حتى لا تربوا المزيد من الأبناء المُعقَّدين نفسيًا، الكارهين لحياتهم، لا يستطيعون اتخاذ القرارات ويأتون إليكم بعد وفاتكم سائلين “أعمل إيه؟”.

 

 

 

المقالة السابقةجناب السفير “نادر التركي”.. بالهنا والشفا
المقالة القادمة“سر السكر”.. روح الرواية في كتابة مريم حسين

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا