في حب الفوضى

999

في أغنية كاظم الساهر “عيد العشاق” بيقولها “حبيبتي.. اشربي شيئًا من الحلم معي.. اشربي شيئًا من الوهم معي.. واشربي شيئًا من الفوضى معي واتركي الباقي عليَّ”. طب إزاي بيعزم عليها بشوية فوضى؟!

كتير من الناس بتشوف الفوضى دايمًا صفة منفرة، يعني مثلاً تلاقي الطفل الممدوح هو اللي غالبًا بيحط كل حاجة مكانها وأوضته مترتبة، والعكس بالعكس، برغم إن الطفل الطبيعي بيكون دايمًا في حالة اكتشاف، وده نتيجته بتكون حالة فوضى.

لكن برغم السمعة السيئة للكلمة لكنها مهمة في بعض الأوقات، مش بس كده، ده إحنا منستغناش عن نسبة منها في حياتنا، يعني تقدر تقول كده بحبة فوضى الدنيا تحلى. أصلها عاملة زي الملح في الأكل نسبته قليلة جدًا بالمقارنة بحجم الطبخة، لكنه ضروري وأساسي، من غيره ممكن منقدرش نستطعم أصلاً، من الآخر.. من غيره مش هيكون الأكل فعل ممتع، لكن مجرد فعل ميكانيكي عشان نفضل عايشين.

إحنا مش مكن ولا آلات، إحنا بنحتاج الفوضى عشان ندوق ونستطعم وجودنا وحلاوته، يعني مثلاً مش لازم الحواجب تبقى مظبوطة بالمسطرة ولا المانيكور يكون من غير خدش ولا الشعر يبقى على سنجة عشرة عشان نبقى حلوين، ينفع أكون بطبيعتي من غير تجميل، وأحب شكلي برضو.

البيت مش ضروري يبقى دايمًا رايق والضيوف يلاقوه دايمًا فلة، المواعين ممكن تبات في الحوض عادي، ينفع نعيش في البيت مش نعيش للبيت. في الحياة مش لازم نلحق كل الفرص ونكون دايمًا الأفضل، ينفع في أوقات ننبسط بحياتنا كده زي ما هي من غير شروط ولا تعديلات.

عينيا اتفتحت ع الفكرة دي وأنا قاعدة مع صديقة، بتقدَّر الفوضى زيي كده، كنا بنتكلم إزاي فيه ناس رغم حبنا ليهم وحبهم لينا لكن في وجودهم بنشعر بشيء من عدم الارتياح من غير سبب معروف أو مباشر. مع النبش أكتر ورا المشاعر دي فجأة فهمت واللمبة نورت كده فوق راسي. وكأن عيني كانت مقفولة وفجأة اتفتحت. أيوة الناس دي لطيفة وبحبهم، لكن سعيهم للكمال في أدق التفاصيل بيرهقني وكأني معاهم بجري في سباق. الناس دي من غير ما بتشعر بتبوظ متعة التلقائية بسبب مطالبتهم المستمرة لكل شخص وأي شيء بالكمال، في وجودهم بلاقيني باخد كل خطوة بحساب، بفكر قبل ما أتكلم، بعوِّل الهم لو جايين يزوروني. بعكس بقى اللي بيحترموا مفهوم الفوضى.. فأنا في وجودهم بحس وكأني قاعدة معايا، برتاح وببقى نفسي من غير تجميل. مش بحس وإحنا سوا إن فيه جو من التنافس، بالعكس، مع بعض بنكمل الصورة، وبالرغم من تفاوت قدراتنا ومعرفتنا وحتى مظهرنا لكننا بنكون مستمتعين سوا، والأهم مرتاحين ومتونسين.

ممكن رأي يقول “طب وليه ميكونش الواحد دايمًا بيسعى للإتقان؟! حد يكره النظام أو الجمال؟”، ببساطة عشان إحنا كبني آدمين عاملين زي بازل ضخم مش هيكمل غير ببعض، وجودنا ببساطتنا وطبيعتنا سوا بيكمل الصورة ويحليها، لكن محاولة الواحد إنه يكمل اللوحة لوحده مرهق له وللي حواليه، والنتيجة قطع بازل متنطورة مفيش ليهم معنى.

ينفع نشوف الكمال ونتأمله ونعجب بيه، ده بيكبر نظرتنا للحياة ويطورها، لكن الكمال لما بيكون هدف بيرهقنا في الجري وراه، وفي الآخر مش بينفع نحققه، وده للأسف كتير بيكسرنا.

المقالة السابقةلِمَ أحبّت جنيات الغابة الإنصات إليك؟
المقالة القادمةصفر على الشمال

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا