في الخروج عن المألوف

494

 

سيدنا الخضر لما مشي مع سيدنا موسى كان في عين موسى إنه قاتل، قتل صبي في مقتبل العمر، ومخرب خرق سفينة العمال، ويوم ما حب يساعد ساعد قرية بخيلة بإنه رمم فيها جدار آيل للسقوط.

بعد شوية اكتشفنا كلنا إنه كان بيحاول يصحح أوضاع خاطئة لكن هو طرقه بديعة ومختلفة.

بس لو أي حد فينا كان شاف الأفعال دي من أي شخص كان هيخاف منه، حتى لو كان بيثق فيه جدًا، ومش هنقدر نصدق إنه إنسان خلّاق بيستولد الحل من رحم الأزمة.

يعني موسى كان واثق في الخضر لأنه اختيار رباني، لكن رغم كدة مقدرش يستنى لما يعرف حقيقة تصرفاته، كذلك إحنا ممكن نثق في شخص جدًا ونؤمن بعبقريته لكن لو خرج عن النمط المألوف بنخاف منه ونبتدي نشك فيه.

في رواية “قواعد العشق الأربعون” شمس التبريزي في مرة طلب من جلال الدين الرومي إنه يروح خمارة ويجيبله خمرة، الداعية المعروف الشيخ جلال الدين الرومي يدخل خمارة على مرأى ومسمع من المدينة؟! يا نهار مش فايت! لكن الرومي كان مؤمن بشمس، ومؤمن إن فيه حكمة من ورا الطلب ده، وبالفعل لما دخل الخمارة لقى جوة دنيا تانية وناس عمره ما كان هيقابلهم. ناس جواها الخير محتاجة بس إن الدعاة ينزلولهم ويعرفوهم إن ربنا بيحبهم.

إحنا بنعلّم الطفل الصغير الرحمة عشان يكون صورة للرحمن، بنعلمه العزة عشان يبقى صورة للعزيز، بنحكيله عن العدل واللطف والود والعفو والرأفة و.. و.. و.. كل ده بنعمله لأننا عاوزينه بجد يستحق لقب خليفة الله في أرضه، جايز بنعمل كده بدون إدراك للحكمة اللي في تصرفنا ده، لكن هي دي الحقيقة اللي إحنا بنعملها بالفطرة.

إحنا ربنا قبل ما يطلقنا في الوجود زرع جوانا نفحة من روحه، ثم نفخ في صورنا، بنتعامل بفطرتنا المعبأة بروح الألوهية، لنكون خليفة الله في أرضه. وبيئاتنا وتربيتنا بتكبّر ده جوانا..

لكن كتير بنخاف م الإنسان لو حب يخلق أو حب يعمل حاجة متعملتش قبل كدة، بنعتبر ده نوع من التطرف، أو شيء من التحدي للطبيعة، لكن الحقيقة الرحمن اللي طلب منك تتعلم الرحمة، هو نفسه الكريم اللي هيحبك أكتر لو زاد كرمك، وهو برضو الرؤوف الودود العفو العدل، اللي طالبك ترؤف وتود وتعفو وتعدل..

وكذلك هو الخالق البديع..

أعماقنا مليئة بما يصعب البوح به، والتجول في دروب الدنيا وعلى ظهرك جوال معبأ بالإبداعات التي تنتظر محاولاتك لإخراجها لن يصل بك إلا إلى مرسى مطروق من قبل آلاف المرات؛ كن خليفة الله في أرضه وبُح بما داخلك.. بكل الصور.. المجرّبة والمتخيّلة، أو حتى التي لم ترد في كل الخواطر بعد.

 

المقالة السابقةحوار مع أبلة نظيرة
المقالة القادمةمفاجأة سارّة!

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا