في البكاء راحة

652

بقلم/ هايدي كارم

 

أخذت تتفحص ملامحي وتمسحها بيديها الصغيرتين، ثم دمعت عيناها وقالت “عايزة بابي”، وعند طرح نفس الإجابة المعتادة “بابي عند ربنا في الجنة”، أجابت: “بس أنا عايزاه”، ثم أخدت في البكاء بصوت خافت، وكأنها تعرف أن صراخها المعتاد عند رغبتها لنيل شيء ما، لم ولن يجدي شيئًا، فهو لم يعد موجودًا في حياتها اليومية.

 

عندما اشتاقت إليكَ لم يكن لي حيلة لتخفيف ألم فراقها، سوى دعاءٍ بلقاءٍ في المنامِ، وعناق بعد عامين من البعاد، وموعد لعب معك في عالم من الأحلام، تتلاقيا فيه روحيكما لتسعد.

لم أستطع وعدها بشيء سوى الدعاء بلقاءٍ في المنام، فكل ما دون ذلك زائف، ورجاءً من الله ليخفف عنها، فلا أعلم كيف لقلب طفلة ذي أربعة أعوام، أنت تحمل هذا الوجع وتعبر عنه بهذا العمق دون حديث، لأقف أمامها عاجزة تمامًا وأضمها إليَّ لتنام في لحظات، وكأنها على عجلة للحاق بموعدها المنتظر معه.

 

هل إذا تحدثت معها عن القضاء والقدر سوف تفهم؟ هل إذا طرحت عليها أفكاري في تقبل كل ما هو آت من عند الله وأن أمر المؤمن كله خير، سوف يتوقف بكاؤها ويهدأ قلبها؟ بالطبع لا، ولكن أخذ عقلي يبحث عن أي شيء، حتى وإن كان غير منطقي بالنسبة لي ولها، لعلي أصل لشيء يجعلها تهدأ، ولكني لم أجد.

 

فقط هو الدعاء بالرحمة لقلب طفلة اشتاقت إلى أبيها. كل ما استطعت فعله في تلك الدقائق المعدودة هو الاحتضان وتركها لتعبر عما بداخلها من ألم، فالبكاء لم يغير شيئًا من واقعها، ولكن من الممكن أن يجعلها تهدأ لفترات وتتعلم كيف تواجه مشاعرها وحزنها وهزائمها المقبلة وحدها، وتتقبلها يومًا بعد يوم كما تقبلناه معًا اليوم، لتشعر بالراحة.

 

“محصلش حاجة عشان تعيطي، الراجل ميعيطش…” والكثير من الكلمات التي نرددها يوميًا لأطفالنا منذ الصغر تجعلهم غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم وإنكارها ومواجهتها بالشكل الصحيح، حتى أننا ننكر عليهم مشاعر الغضب، الحزن، الغيرة وغيرها من المشاعر السلبية التي يمر بها أي إنسان مهما كانت درجة نضجه، بدلاً من تعليمهم كيفية التعامل مع هذه المشاعر بصورة صحيحة.

 

فكيف قد يتعلم أحد التعامل مع شيء ينكره عليه جميع من حوله، وإن عبَّر عنه أصبح في نظر أبويه طفلاً سيئًا!

نعم أنا حزين.. نعم أريد أن أبكي لأعبر عن حزني لفقد شيء ما أو خسارة شيء، حتى وإن بدا لك تافهًا فهو بالنسبة لي العالم.

نعم من حقي أن أحزن ولو لبعض الوقت، وعليك أن تتقبلني لأنك عالمي الأول، ومنك سوف أتعلم كيف أتقبل مشاعري وأواجهها وأُقدِّر مشاعر من حولي وأتقبلها، لأصبح إنسانًا.. أنا أبكي وأجعل طفلتي تُفرِغ ما لديها من بكاء.. لأن في البكاء راحة للقلب والروح.

 

البكاء يجعلنا نهدأ ونتعلم كيف نواجه الحزن والهزائم

 

المقالة السابقةدور البرد الذي منحني الإلهام والقوة
المقالة القادمةالتنمر الوظيفي.. التنمر الذي نتعرض له نحن الكبار
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا