عوِّدت عيني على رؤياك

736

عودت عيني على رؤياك وقلبي سلملك أمري

لأول مرة أثناء انتظاري للا شيء، أنا التي اعتدت فلسفة اللا انتظار والتحرك دومًا نحو أهداف عديدة في نفس اللحظة، كنت في أول أيام الغربة خارج بلد، ظلت تلفظنا يوميًا بالضغط الشديد داخلها، حتى أصبحنا خارجها، نبحث عن أنفسنا بشكل جديد، فأشعر به يأخذ بأيدينا لتتشكل لنا هوية، تتناسب مع موقعنا الجديد في خريطة العالم.

وألقى نعيم قلبي يوم ما ألتقيك جنبي

أبحث في هذه اللحظات عن شيء أقوم به، بينما أخطو ببطء أستكشف جمال حديقة قريبة من منزلي، فلا أجد إلا السكوت والإنصات لحكمته في خطواتنا، ولا أخشى الإحساس بالتيه في معيَّته.

أتلمَّس الطريق لبيتي في البلد الجديد، فأحاول الوصول إليه دون الاستعانة بالخريطة، فقط باستدعاء شكل الشارع، فيجعلني أرى علامات مختلفة، تعطيني فكرة جيدة عن أني أسير في الطريق الصحيح.

زرعت في ظل ودادي غصن الأمل وإنت رويته

أفكر كيف سأتأقلم مع مجتمع مختلف كليًا عما كنت أحياه، أفكر في افتقادي لبيتي في موطني الأصلي، وأفكر في والدي وأحن إليهما كثيرًا، وأحاول أن أجد الكلمات المناسبة لأشكره على التجربة الجديدة التي فتحت نوافذ وأبوابًا جديدة للروح وفرصًا أخرى للحياة، بعدما كنت أظن أن كل الطرق مغلقة، فأظل ممتنة له دون أن أجد التعبيرات المناسبة للثناء.

تمر الأيام الأولى ثقيلة نوعًا ما، أكتشف حملي الأول، أفرح به كثيرًا، فرح يشوبه الكثير من القلق، وينقصه الكثير من الاستمتاع بسبب اكتئاب الأسابيع الأولى من الحمل، ممتزج بثقل أول أيام الغربةَ.

أنظر إلى السماء كثيرًا وأطلب منه العون.

أذهب لأول زيارة للقابلة التي ستكون مسؤولة عن متابعة حملي. أستمع لدقات قلب طفلتي لأول مرة، وأبكي عندما أرى معجزاته تتحقق داخلي.

تمر الأيام سريعًا وأصبح امرأة حامل في الأشهر الأخيرة، أذهب لشراء الكثير من مستلزمات المنزل دون حساب ما يتطلبه الأمر من مجهود، لحمل هذه الأكياس على سلالم المنزل، بينما أقف في حيرة لاختيار أي من الأكياس أحمل أولاً، أجد جارتي تفتح باب المنزل وتقول لي: “هل تريدين مساعدة؟”، وتحمل لي كل الأكياس دفعة واحدة لباب شقتي، أشكرها وأنظر للسماء وأمتن له.

تمر الأيام أسرع وتصبح طفلتي في عمر الشهرين، أحملها وأهدهدها لمدة تزيد عن الساعة لتنام، فيعطيني القوة التي تجعلني لا أشعر بوجع كتفي وأنا التي كانت تشتكي دومًا من ضعف عضلات كتفي بالتحديد.

في نهاية يوم متعب مع ابنتي أدعوه: “أرجوك يا رب خليها تنام” وأنظر لها لأجدها تهدأ تدريجيًا وتنام.

أشعر بضغط مسؤوليات الأمومة ممتزج بإحساس أني أم تختبر الفشل يوميًا، يساعدني ويأخذ بيدي من التعب، لأذهب لموعد متابعة نمو ابنتي، وبينما أتساءل عن بعض النقاط التي تخص ابنتي فتسكت الطبيبة لبرهة وتقول لي: You are a beautiful clever mother بلكنتها المعهودة، فتذهب الكلمات لقلبي لتصلني به.

وكل شيء في الدنيا دي وافق هواك أنا حبيته

أظل حائرة بين اختيارين، كل واحد منهما لديه ميزة غير موجودة في الآخر، فيجعلني أنظر لناحية أخرى، لأجد اختيارًا ثالثًا لم يكن في الحسبان، يجمع مزايا كل منهما، يختاره لي فيصبح أفضل مما فكرت به يومًا ما.

ومهما شفت جمال وزار خيالي خيال

إنت اللي شغل البال وإنت اللي قلبي وروحي معاك

نمت وردة صغيرة جميلة، دون مجهود مني في الزرع الذي أهملته منذ فترة دون عمد، لونها بنفسجي مندمج بالأصفر، جمال غير متوقع ينمو دون تدخل مني، أعتاد النظر إليها في كل صباح، نظرة ممتزجة بالحمد والشكر له، على رؤية هذا الجمال، ورؤية رب الجمال، وإحساسي بمعيته لي في بداية كل يوم.

ده إن مر يوم من غير رؤياك مينحسبش من عمري.

المقالة السابقةصفر على الشمال
المقالة القادمةالتحدي الأكبر

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا