بقلم/ سلمى شعبان
في شهر مارس القادم سأكون قد أتممت عامي الثالث والثلاثين، تلك السن التي كنت أعتقدها بمثابة سن النضج المعنوي والشخصي، ولكنني لا زلت أشعر بعدم نضج داخلي. في الأيام القليلة المنصرمة وجدت نفسي تحدثني عن أكثر صديقاتي قربًا لقلبي، لأجد أن علاقتنا كانت علاقة من طرف واحد. كنت أراها بمثابة الصديقة والأخت الصغرى لأني كنت دومًا أتوق أن تكون لي أختًا صغرى. تصادمت معها صدامًا قاسيًا تركني أفكر كثيرًا، لأصطدم بحقيقة وصدق علاقتنا. يا لعلاقتنا الهشة يا صديقتي!
اختليت بنفسي لأفكر، هل السنوات العشر الماضية لم تكن كافية لي لأحدد طبيعة علاقتنا الحقيقية؟ لا لم تكن كافية بالمرة. فقد كنت دومًا الملجأ والملاذ في وقت الشدائد، لها ولغيرها، لكنني في أشد الأيام قسوة وظلامًا لم أكن أجدها. بل إنني أعترف أنني لم أكن أجده بالأمر السهل لي أن أحادثها لأُحدِّثها عما يجول بقلبي، عن كم الأحزان التي أصبح قلبي مثقلاً بها في الغربة. لأجد نفسي أعلم عنها كل شيء ولا تعلم عني هي أي شيء.
تصادف في يوم من الأيام أثناء حملي أن قررت الطبيبة احتجازي بسبب نزيف في نهاية الشهر الثامن، والذي كان مهدِّدًا لحياة الجنين. شعرت بالوحدة والحزن. لم أرد أن أُحدِّث أحدًا من أهلي كي لا يصيبهم الجزع. هرعت لهاتفي، اتصلت واتصلت كثيرًا وبلا جدوى. لأجد رد الاتصال بعد أسابيع وأسابيع. تألمت وعاتبت، ووجدتني أتقبل العذر كما فعلت في السابق.
حتى في أحلك اللحظات التي نحتاج جميعًا فيها إلى صديق كنت أجد نفسي لا أهرع إليها، رغم أنني أردد أننا أصدقاء كثيرًا، بل لقد كنت في كامل الاقتناع أننا كذلك، إلى أن حدث صدامنا الأخير، لأجد نفسي أمام أهش علاقة وأكبر تغفيلة صنعتها لنفسي وبنفسي.
كنت منذ عامين قد كتبت عن الصداقة مقال بعنوان "صاحبك مش هيعمل كده"، مرددة لنفسي أنه من الجائز والمقبول أن يبتعد الأصدقاء قليلاً دون أن يكون هذا سببًا في فتور العلاقة أو عدم أهميتها لأحد الأطراف. ولكنني كنت مخطئة. إن أي بذل وأي عطاء دون مردود لن يصل بنا إلا إلى نفس النهاية. علاقة هشة.
ابتعدت قليلاً لأرى صديقتي تخبرني بقرار ما في حياتها، وكأنه خبر في الجريدة تقرأه لي. صُدِمت وكانت صدمتي أكبر وأكبر عندما علمت أنها قد نفذت قرارها بالفعل. وجدتني بعد صدمة ليست بهينة أعيد كل شريط ذكرياتي معها لأجده خاليًا تمامًا! فقد تحولت علاقتنا إلى علاقة هشة بمجرد سفري. تحولت ساعات الكلام الطويلة وأيام التنزه معًا إلى بعض رسائل الواتس آب وعلامات اللايك واللاف على الفيسبوك. بل إنها لم تحضر ولادتي رغم أنني كنت في مصر وكان يفصلني عنها نصف ساعة فقط.
أنا لا أجيد قراءة التفاصيل جيدًا. لست ماهرة في ذلك على الإطلاق، أيقنت أنني أعيش بمسكنات مثل "معلش الناس مشغولة، محدش عارف فيه إيه". لأجد نفسي وأجدها مع كل من هم حولها وبالقرب تمام التمام. أنا لا أنكر أننا نتواصل ونتحدث ولكننا نتواصل على بقايا علاقة كانت قد انتهت بالفعل بمجرد سفري وتغير أوضاعي. بل إنني لا زلت أذكر بعض الأمور التي لا يتوجب على الأصدقاء نسيانها، ولكنها كانت تنساها. ليس تقليلاً منها أو من حبي لها، ولكني أدركت جيدًا أن أي إحساس بالصدمة في أي شخص هو أننا لم نُصنِّف علاقتنا به بالتصنيف الحقيقي.
أي علاقة هشة لا تستيطع أن تبني بها وعليها علاقة صداقة لتدوم وتقاوم الأزمات. العلاقات الهشة تنتهي بمجرد إدراكك أن نهر عطائك دون مبرر قد انتهى، وأنك مثل البقية الباقية من الناس، وأن المكان الذي كنت تتوقع أنك تشغله بحيز كبير ما هو إلا "بوست" كبير على الفيسبوك مع صورة لذيذة تجمعك بإنسان يقال إنه صديق، مع مجموعة من "اللايكس" و"الكومنتس" الظريفة، لنصنع ذكرى على الفيسبوك.
الصداقة أعمق وأقوى بكثير من أن تكون بهذا الشكل الهش.. وقد صدق من قال إن الصديق الوفي من المستحيلات الثلاث.