صندوق المرات الأولى

600

 

بقلم/ العصماء محمد هاني

 

في عامنا الرابع من زواجنا لا يزال “بوكس” الشوكولاتة الأول يحتل حيزًا جميلاً من أرفف الخزانة، أمُرّ عليه كلما ضاقت بنا الأحوال، لأتذكر كم كان الحب بطلاً لأوقاتنا الماضية، جعلته حافظًا لكل ذكرياتنا معًا، في “بوكس” الشوكولاتة الأول توجد بطاقة المعايدة الأولى، والوردة الأولى، وميدالية مفتاح منزلنا الأول، وقائمة طعام مقهانا الأول، والهدية الأولى، وبطاقة رقم غرفتنا الأولى في فندقنا الأول، كل ما هو أوّل يُحتفظ به هناك، وتتناثر حوله كل تلك الأشياء الجميلة التي أتت فيما بعد، والتي تكررت بتكرر نبضاتنا معًا.

 

السينابون الأول

أحب السينابون وأعشقه رغم كل تلك “الكالوريز” التي تملأ طحينه وخميرته وحليبه وسُكّره، القرفة المفروشة داخله تجعلني أشعر بأنني “أودري هوبيرن” وقد تزينت بمجوهرات من “تيفاني”، وبعد أن أصب عليه الصوص والمكسرات أربط شعري بوشاح مُزهَر فأراني “صوفيا” وهي تتمايل بفساتينها الرقيقة لتملأ ليالي أوجيني دفئًا وابتسامة.

ورغم كل هذا فالسينابون الأول لم يكن المفضل لدى زوجي.

 

المعكرونة الأولى

المعكرونة عنده إدمان.. وعندي طريقة للإبداع.

اغرقيها في الجبنة، كُلّ الجبنة، أي نوع من الجبنة، اجعليها تسبح في الكريمة، أدخلي عليها الفطر، عَشّقيها بالثوم، أضيفي على الصلصة رشة زعتر فلسطيني، بالدجاج كانت أو الجمبري، أضيفي عليها الخضار لتغدو لوحة فنية مثالية، فلفل أخضر وأحمر وأصفر.. بروكلي لا يحبذه الصغار ولكنه يبدو رائعًا بعد إضافته في تلك اللوحة، هل جربتِها مع التونة؟

 

هؤلاء الذين يحبون المعكرونة هم الأكثر حبًا للتغيير والإبداع، وهم الأكثر انفتاحًا على العالم، ففي طبق معكرونة واحد تستطيع العديد من الأجناس أن تجتمع. من الممكن أن تُصنع من جميع أنواع القمح المنبثق من مختلف بقاع الأرض، ويُقال إن سر أصل المعكرونة غير معروف حتى الآن، وقد قيل إن أصلها عربي، أو أصلها ياباني، بل صيني أحيانًا، وذُكرت تلك العجينة الجافة الجميلة في مخطوطات مقدسية منذ آلاف السنين.

لنأكل المعكرونة إذًا.

 

أول صلاة

في الإسلام شرَّع الله أن يبدأ الزوجين ليلتهما الأولى بالصلاة.

ركعتان يصليانهما في أول لحظة يكونان فيها معًا، بمفردهما، باب قد أوصد عليهما، وُضع مفتاحه بجانب قلبيهما، يدعوان أن يبارك الله لهما وعليهما وفيهما، فخير العُشّاق الذين وطَّدوا عشقهم بركعتين.. هؤلاء  أحبوا وبكوا وسعدوا ثم صلّوا.

 

صلاة الليلة الأولى من الأسرار الساحرة التي نبدأ بها الرابط المقدس بيننا وبين الله ونفسينا، نحاول أن نجعلها صدًّا منيعًا لنا أمام الحياة.. نختم ليالينا بدعاء أن تستمر المحبة والمودة والسكن.. ففي الأزل قد كنا السكن الأول بعضنا لبعض.

 

أول مكالمة

في مفكرتي الصغيرة احتفظت بتاريخ مكالمتنا الأولى، كانت على عجل، كنا نسرقها على استحياء، نخشى أن تضبطنا الحياة متلبسين بمحبة، تلك النسمة الرقيقة التي عبرت قلبي فور سماع صوته لا زالت تمر بي كلما تذكرت تلك المكالمة العاجلة، لا أذكر بالضبط ما قلناه فيها، ولا يهمني حقيقة، فما كان يحدث أشد جللاً من بضع كلمات ليست بمهمة على أي حال.

 

بعد أن أصبح لدينا طفلان في أقل من أربع سنوات، وبعد أن مررنا بالكثير من المنحنيات والأزمات والمِحن، أتمنى أن أعود مرة أخرى إلى مشهد المكالمة الأولى، والشوكولاتة الأولى، والسينابون الأول، والمعكرونة الأولى.

 

في العام الرابع.. ينام طفلانا على السرير بجانبي وكأنني عدت مرة أخرى إلى الطفولة حينما كنت أرص الدباديب والعرائس وأحتضنها برعايتي، أنظر إليهما وأضحك.. فلقد امتلكت عروسة ودبدوبًا حقيقيين، يبكيان فعلاً ويأكلان أيضًا ويمارسان العملية الإخراجية بحق.

 

لا يمكنني إلا أن أمتنَّ لكل تلك الأشياء الجميلة التي امتلكتها في حياتي، حتى وإن كانت محفوفة بالهموم والأحزان.

 

كم كان الحب بطلاً لأوقاتنا الماضية!

 

المقالة السابقةحكايات لا تُنسى.. 4 كاتبات قرأت لهن للمرة الأولى
المقالة القادمة15 حقيقة واقعية عن العلاقات
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا