يُحكى أنّ، كان فيه جنينة سحرية، كل الأشجار والورود والفاكهة والخضراوات فيها بتتكلم وتتحرك وتضحك وتزعل، وكان فيه بنت جميلة صغيرة اسمها "فيروزة" هي حارسة الجنينة دي، فيروزة كانت بتصحى كل يوم بدري تسقي الزرع بمياه الورد، وتمسح على الورق الدبلان بصوابعها الرقيقة عشان يصحصح شوية، وتجمع ورقات النعناع والريحان في طبق صغير وتروح لأول القرية وتطيرهم في الهوا.. فيصحى السكان على ريحة منعشة ونشاط وحماس للشغل والحياة.
"فيروزة" كان بيتها الصغير محفور في جزع شجرة كبيرة جدًا على مدخل الجنينة المسحورة، كانت بتعمل وصفات بالأعشاب والتوابل والخضار تداوي بيها سكان القرية لما يزورهم أمراض غريبة، زي الكذب والأنانية والغرور والتسرع والكلام اللي زي الطوب والتكبر.
كانت مثلاً تعالج الكذب بعصير الفراولة والمانجو وعليهم رشّة قرنفل، لأنهم فواكه صريحة وواضحة في لونها وطعمها.
وتعالج التسرع والاندفاع، بشوربة الملوخية وسلطة الفواكه، لأن صاحبهم محتاج صبر وحاجة حلوة تساعده يتحمل الصبر.
وكانت بتعالج الأنانية والغرور بعصير التين الشوكي والبطيخ، عصير عجيب، بس لازم لصنعه حرص وصبر وتواضع، محدش بيستقوى على التين الشوكي إلا ويتجرح في صوابعه.
شجرة الطماطم كانت صديقة البنات اللي بيزوروا جنينة "فيروزة"، كانت بتحمر خدودهم بلونها الجميل وترغي معاهم وتقدملهم طبق سلطة خضار يخلي صحتهم وجسمهم قوي.
وكانت حواديت "فيروزة" مع شجرة النعناع والليمون مليانة بالضحك اللي بتجمعه في أزايز صغيرة وتعالج بيه الإحباط والحزن.
وفى يوم من ذات الأيام، زار "فيروزة" ولد صغير اسمه "كريم"، كانت ملامحه حزينة جدًا لدرجة خلت شجرة البرتقال تعصر نفسها من العياط، هي كده شجرة حساسة جدًا. "فيروزة" ابتسمت وطلبت من "كريم" يقعد ويشرب مشروب الليمون بالنعناع والريحان، ويهدا ويحكيلها حكايته وإزاي تقدر تساعده؟
وبعد شوية دقايق، بدأ "كريم" يقول لـ"فيروزة" إن مفيش طبيب قدر يعالج مرضه، وأهل القرية وصفوله الطريق للجنينة المسحورة عشان هي المكان الوحيد اللي ممكن يلاقي فيه علاجه.
لاحظت "فيروزة" إن "كريم" بيتكلم وهو حاطط إيده على بقه وصوته واطي، ولما سألته "فيروزة" عن مرضه، قالها:
إن كلامه دايمًا زي الطوب والزلط، بيخرج من بقه بسرعة يعور حبايبه مهما كان قصده حلو، لكن مش بيعرف يعبر أو يوصل مشاعره صح، دايمًا الجملة بتطلع ملخبطة وناقصة ومعناها عكس اللي حاسس بيه، ومع الوقت مبقاش حد يحب يتكلم معاه وأصحابه بعدوا عنه، وهو قرر يسكت ويفضل حاطط إيده على بقه لو اتكلم عشان ميجرحش حد بكلامه بدون قصد.
"فيروزة" ابتسمت وطلبت من "كريم" يستناها 5 دقايق، هتحضرله وصفة مخصوص هتساعده يخف للأبد.
ولمّا رجعت "فيروزة" كان معاها برطمان صغير لوصفة معمولة من الكلام الطيب والهدوء والنعناع الأخضر.
وقالت لـ"كريم": الناس مش محتاجة أكتر من كلمة طيبة يا "كريم"، كلمة واحدة تقدر تسعد وتراضي بيها حبايبك وأصحابك وأهلك، زي مثلاً "شكرًا"، أو "أنا بحبك"، أو "شكلك جميل النهارده"، أو "تسلم إيدك"، أو "أنا هساعدك". عارف مثلاً إيه سر الجنينية المسحورة؟ كان زمان فيه جنايني عجوز، كل ما يرمي بذور زرعة يقولها إنتي بذرة قوية وجميلة، وإنتي هتكوني أحلى شجرة في الجنينة، كان بيسقي الزرع حنية وحب وكلام طيب طول الوقت.. ولما مات الجنايني، مكانش يعرف إن كلامه الطيب سِحر، خلى نبات الجنينة مسحور وعلاج لأوجاع كل الناس.
والكلمة الطيبة يا كريم يلزمها نفَس منعش وجميل، يخرج كلام مترتب ينور القلب والروح، وده دور النعناع والليمون، مع شوية ثقة بالنفس وهدوء، هتخف تمامًا في خلال أيام لو مشيت على الوصفة.
مشي "كريم" مبسوط، وكان أول مرة يجرب يقول شكرًا، واكتشف إنه لما قالها اتبسط والتوتر قل شوية. كل يوم كان أول ما يصحى من النوم ينفذ وصفة "فيروزة"، في الأول كان بيتلخبط أو يحس إن لسانه تقيل، لكن كان بيفتكر حكاية الجنينة المسحورة، ومع الوقت خف "كريم" وحياته اتغيرت للأحسن بسحر الكلمة الطيبة.