السادة أعضاء لجنة تحرير موقع "نون"/
تحية طيبة وبعد..
أعتذر عن كتابة مقال هذا الشهر الخاص بالفرح، فأنا حقيقة لا أعرف كيف يفرح الناس، وقد نفدت مني الحيل والقصص المبهجة، جيوبي فارغة من قصص السعادة، ورأسي مفعم بأفكار أكثر سوادًا من قاع الفرن.
حقيقة لا أعرف كيف يمكن أن يفرح الإنسان في هذا الزمن، ولا أعلم إن كانت الشعارات التي على شاكلة "خلي السعادة عادة" تجدي نفعًا أم لا.
لقد جربت أن "أضحك والضحكة تبقى ضحكتين و2 x2 x 2"، وحزنت عندما لم أستطع حل المعادلة الرياضية، فأنا سيئ جدًا في الرياضيات.
جربت أن أقوم بصنع الليمونادة عندما قذفتني الحياة بالليمون، ولكني وجدت أن السكر غالٍ ولا يذوب ومليئًا بالحصى، وعندما كنت أقوم بعصر الليمونة على السكر المغشوش تطاير رزاز الليمون وآذى عيني الضعيفة، وقضيت اليوم كله بعين دامعة.
لقد نظرت لنصف الكوب الممتلئ فوجدته مليئًا بالشوائب، واحترت ما بين شربه أو تخزينه، لأن المياه صارت تنقطع لمدة تزيد على 24 ساعة، وتليفون تلقي الشكاوى الخاص بشركة المياه خارج نطاق الخدمة، فجلست أنظر لنصف الكوب الممتلئ وزادني هذا حنقًا وغيظًا وضيقًا.. آسف؛ لا أعلم فيمَ يجدي النظر لنصف الكوب الممتلئ، جربت تلك الطريقة ولم تُجدِ نفعًا.
أصابتني قنوات الكوميديا بحالة من الضيق الشديد، لا لأني لم أضحك ولأن الإفيهات المستهلكة والإيحاءات الجنسية في الجمل الحوارية فشلت في أن تجعلني أبتسم، بل لأن الآخرين يضحكون على هذا العبث، بل ويعجبهم. ما المضحك في شخص يُصر على أن يتظاهر بالعته؟ بالله عليكم ما الكوميدي في أنه يتعمد نسيان النص ويتظاهر بأنه في حيرة من أمره هو وزملائه بسبب الورطة التي هم فيها؟!
هل أفرح بمسلسلات رمضان؟ ممممم لا وقت عندي للمشاهدة لأني أعمل أكثر من 15 ساعة يوميًا، وهناك 4 ساعات على الأقل أهبها كراهية مع الكثير من أعصابي وسلامي النفسي للطرق والزحام، ويتبقى 6 ساعات أقضيها في نوم قَلِق وأستيقظ متأففًا لأني -بسبب التعب الشديد- لا أسمع صوت المنبه فأقوم متأخرًا، وأركض لاهثًا محاولاً اللحاق بموعد العمل.
هناك قوم سعداء حقًا وأنا أحسدهم، وهؤلاء ليسوا بحاجة لمقالات لتعينهم على السعادة والفرح. إن من هم بحاجة لمقالات تشجعهم على الفرح هم أشخاص مثلي، وأنا لا أعرف كيف أفرح، فبالإضافة للأسباب السابقة تعرّض أحد أصدقائي -يصغرني بعامين- لحادث أودي بحياته منذ ثلاثة أيام، وفي اليوم التالي تعرّض آخر لحادث في نفس المكان أودى بحياته أيضًا. ومطلوب مني أن أكتب مقالاً عن الفرح!
لا أزعم أني حزين، فأنا اعتدت على الإحباطات، بحيث صرت ألتقي أنا وأصدقائي الذين هم على شاكلتي لنضحك من مصابنا ومللنا المستمر وضيقنا بالحياة، ثم ننصرف بعد أن أفرغنا شحنة الطاقة السلبية وصرنا مستعدين لتلقي صدمات أكثر.
حقيقة لا أعلم كيف يفرح الناس وسط تلك الأخبار التي تلاحقنا عن التفجيرات في كل مكان، والفتاوى التحريضية، والسيدات اللاتي تجردن من ملابسهن في الشوارع، والتوقعات بانهيار اقتصادي، وشباب يُلقى القبض عليهم لأنهم فطروا في نهار رمضان.. حقيقة لا أعرف كيف يفرح الناس في وسط العبث!
حتى شركة المشروبات الغازية استحت هذا العام ولم تأمرنا بأن نفرح كما هي عادتها في كل رمضان.
إني أتوق للفرح.. قد أبدو داعيًا للكآبة والحزن ولكني حقًا أتوق للفرح.
لا أنكر أني أنعم بصحة جيدة، بغض النظر عن معاناتي مع القولون العصبي والقولون الصاعد، وضعف النظر وجفاف المقلتين، وتسوّس الأسنان والدوالي وعسر الهضم والخشونة والتيبس في عمودي الفقري؛ كل هذه أشياء يمكن التكيّف معها.
إني لا أنكر أن الله أنعم عليّ بكثير من الأشياء، لكن أطمح للفرح، أطمح لا أطمع، إنني أكره المقارنة بالأسوأ، المقارنة بالأسوأ تدعو للخنوع، لن أبقى طوال عمري أتخذ من عبارة "مش أحسن ما نبقي زي سوريا والعراق" شعارً لي. أريد أن أبدو سعيدًا كدانماركي، مكتفيًا كسويسري، مطمئنًا وآمنًا كسنغافوري.
أريد خدمة إنترنت ثابتة، وشاحنًا ذا سلك طويل ودواءً يجدي نفعًا مع القولون، وأن يكف أصدقائي عن الموت.
أريد أن أفرح.