حقيقة الطيبة: الطيبه ليست غباء الطيبه نعمه فقدها الاغبياء

3945

يقول جورج برنارد شو “فليسوف وكاتب أيرلندي”: “الناس نوعان، أحدهم يراك طيب فيحبك، وآخر يراك طيب فيأكلك”، فهل قادتك تجربتك الإنسانية في الحياة لتلك النهاية المأساوية بالإحتمال الثاني، فقط كونك طيب القلب؟ إذن هل سألت نفسك يوما.. مع هو الخط الفاصل بين الطيبة والسذاجة؟ ولماذا يُلوث الناس الطيبين بإعتقاد جائر أنهم أصحاب شخصيات ضعيفة وإن لم يكن ذلك حقيقيا؟

 

الخط الفاصل بين الطيبة والسذاجة:

 

واحدة من المغالطات التي ينجرف خلفها كثيرون، هو ذلك الخلط بين الطيبة والسذاجة، رغم أنه ليس هناك ثمة شبه أو وجه واحد -حتى- للمقارنة بينهما، فالإنسان الطيب، يحمل في أعماقه قلب رائع، لديه قدرة هائلة على تقبل الآخرين، على إختلافهم، يعضد ذلك عقل واعِ، مدرك لتبعات الموقف الذي اتخذه، ذلك كله مغلف بغلاف رقيق من سلامة النية ونقاء السريرة،

أما ذلك الصديق الساذج، قد يكون شخص لئيم وبه جِنة من شر، إلا أن محدودية ذكائه وفكره القاصر، واللذين عادة ما يدفعانه نحو سوء التصرف، قد يضعانه جنبا إلى جنب مع “برواز” الطيبة، التي هي موطن كل جميل وتلقائي.

ما أعنيه تحديدا، هو أن الطيبة لا تحتاج لتلك السلسلة المطوّلة من التعريفات، فأنت -حتما- ستعرف الطيب حين تراه، ستجده شخصا لطيفا، لا ينطق بسوء، وأحد أقدس أمنياته أن يعيش العالم في سلام، ويفعل ذلك كله بوعي ومسئولية، دون أن يشعر أن في الأمر غرابة تستحق الايضاح بين قوسين “بس أنا مشكلتي إني طيب”.

 

هل الإنسان الطيب ضعيف الشخصية؟

 

القانون القائل بأن حدود طيبتك تنتهي، حينما ينتهي حلمك على الآخرين وإعلان اعتراضك على سلوكهم القاهر لك، بصوت واضح وحازم، هو قانون واهي، لا قيمة لتطبيقه عمليا، فالطيبة شأنها شأن أي شيئ في الحياة، تحتاج لضمان استمراريتها لما أسميه بـ”صيانة دورية”، تلك الصيانة تكون بوضع كل شيئ تماما في موضعه، لا هو في موقع أقل مما يستحق ولا هو أكثر.

الظالم الذي يسدد إليك الضربة تلو الأخرى ومليء ظنونه أنك لن تنتفض مهما فعل، لابد أن يفيق ذات صباح على رسالة إعتراضية شديدة اللهجة مفادها، أنك لا تقبل الظلم فاعلا كنت أو مفعولا به،

وذلك الصديق الذي تهاونت كثيرا معه بشأن خلافاتكما المتكاثرة، والتي لم يُبدِ مرونة تذكر في حل أيا منها، لابد أن توجعه بأمر بعدك المفاجئ، وزميلة العمل هذه التي ما تنفك تخبر الآخرين من حولكم أنك شخص “بتاع ربنا” و”طيب” ولن تفعل شيئ حيال الورطة التي أوقعتك فيها،

هي بحاجة ماسة لرد رادع، تنتصر فيه لا فقط لشخصيتك القوية، وإنما أيضا لإرساء قواعد الحق والعدل، بحيث لا تُحَمل الطيبة مستقبلا بما ليس لها من هوان وخنوع، فقط لأنك إرتضيت لنفسك مهانة ما كان لها أن ترتضيها.

هل ترتبط الطيبة بمستوى الثقافة؟

 

من وجهة نظري الخاصة، لا أعتقد ذلك، فالطيبة شأنها شأن الذكاء والعطاء..الجمال والخير، كلها أشياء يقدرها الله سبحانه وتعالى لمن أراد من خلقه، دون معايير أو تصنيفات، لكن الطريقة التي يتعامل بها هؤلاء مع ذلك الرزق هي ما تجعل صورته تتباين من شخص لآخر،

لكن إذا كان ما نعنيه هنا هو حقيقة تكَون هذا المنطق عمليا في مجتمع كمجتمعنا؟ فنعم، هناك وجهة نظر مجتمعية تتبنى هذا المنطق -فعلا-، فأبناء الطبقات الثقافية العليا بالنسبة لهم، أشخاص جنّبهم “الإيجو” السقوط في براثن الطيبة المطلقة والسذاجة، هم وإن حملت قلوبهم أدلة على الطيبة ونقاء السريرة، إلا أنهم لا يقومون بتوزيعه لكل من”هب ودب”، فدرجة الوعي والمعرفة قد حصّنت -من وجهة نظرهم- تلك الصفة الحسناء، وخففت من عبء حملها، وقدمتها في حُلة أنيقة، موزونة بميزان الوعي، لا هي طيبة مطلقة ولا هو شر مقيم.

بينما يفترش الطيبون البلهاء، هؤلاء ممن لم تسقهم الحياة من ماء الوعي والمعرفة، الطرقات، يعطون من آذوهم المِعوّل ذاته، مرارا وتكرارا كي يفسدوا عليهم حياواتهم، وحتى إن أدركوا في مرحلة متأخرة حقيقة الأمر، لا تعطهم معرفتهم المحدودة ووعيهم القاصر “الروشتة” التي تأخذ بأيديهم للشفاء.

 

هل هناك أنماط مظهرية وضعها المجتمع للطيبين؟

 

بمنتهى الواقعية والأسف في الوقت ذاته نعم، فالمجتمع وبعد عدد لا بأس به من التجارب العملية، يضع قوانينه الصارمة، دون إعطاء فرصة تذكر لإحتمالية الخطأ، فالطيبة من وجهة نظر السواد الأعظم من مجتمعنا، لا تكون طيبة بمعناها الحقيقي ما لم تصدر عن شخص تشي هيئته بشيئ من العفوية أو إن شئت أكثر صراحة “الفوضوية”، ولعل هذا متعلق بما نُسقطه نحن البشر على الآخرين من أفكار تخصنا وحدنا؛ كيف أُصدق أنه طيب وتلقائي وبسيط وقد اقتطع جزء من فراغه وباله وفِكره للتفكير في أمر هيئته وهندامه؟

وفي حقيقة الأمر، تلك النظر القاصرة عادة ما تُعرض كثيرين للظلم البين، فمن قال أن أصحاب الأوزان المعقولة، وطوال القامة والمتحققين والناجحين وأصحاب البنيان القوي ماكرون، ولديهم من الدهاء ما يزيل عنهم بهاء الطيبة ؟ ومن منح من دونهم هذا الشرف المحفوف بالسلبيات، دون عناء يذكر، أعتقد أن الأمر أصبح في حاجة للمراجعة الجماعية.

ما سر جاذبية الشريك السيئ”الباد بووي”؟

 

نظراً لأننا ندور في حلقة، فستجدنا في مواضع نعود لنمر بموضع قد مررنا به سلفا، وكما تحدثنا عن العقيدة المجتمعية الراسخة بأن الطيب لابد أن يكون ضعيفا، فهناك عقيدة أخرى على الجانب الآخر من هذه، تقول بأن الشريك السيئ أو ما يعرف بـ “الباد بووي”، هو شريك مثير ومثالي لعلاقة ناجحة،

فهذا الشرير الذي التصقت به صفات كالقوة والخبرة، كونه لا يهاب المواجهة، بل وفي أحيان كثيرة يكون صاحب ضربة البداية فيها، هو شخص أُضيفت له نكهة خاصة من الجذابية والسِحر، الذي وإن كان الشريك يعرف حقيقته، فهو لا يتوقف كثيرا أمامه، لما في تلك الطبيعة من بريق يعمي العيون.

ولعل سلاسل التجارب، التي لم تنتهى -حتى كتابة هذه السطور- ، تُثبت فشل تلك الجاذبية وقدرتها على خلق مساحة آمنة للتشارك، فالشر لا يُعَرف بغير الشر، وإن إستتر خلف ألف ستار، وتظل قدرة هذا الشر قاصرة على خلق هالة من الغموض حول صاحبها، هالة تبتلع كل من يقترب منها ولو كان يحمل في أعماقه “نية حسنة”.

هل يمكن أن تكون الطيبة ستار لصفات أخرى سيئة؟

 

بقلب مطمئن أُجيبك أن” نعم”، قد يحدث ذلك، فقد تجد شخص شديد الطيبة، شديد الشُح أو ربما شديد الكذب، أو الخيانة، وفي ذلك إعمال لفطرة الإنسان، الذي لا تضمن له أيا من صفاته الإيجابية زوال باقي سلبياته، لكن فيما يتعلق بأمر الطيبة على وجه التحديد، يكون الأمر شديد الغرابة من وجهة نظري، لأن الطيبة في معناها الأصلي تقضي بكونك شخصك مسالم، يحب الآخرين ويقدس قيم الحق والعدل والسلام.

تُحركه غريزة، لا دخل للعقل بها، بأن أفضل شيئ قد يحدث لهذه الأرض، أن تتحول لجنة مترامية الأبعاد، تضم الجميع دون إستثناء، ويعيش الناس هناك حيث سلام مطلق وطمأنينة لا حدود لها، وخير ليست بيد أحد غير الله أسبابه، ومن هنا يكون الشُح والكذب والخيانة والقسوة كلها أشياء لا يمكن أن تكون ضمن قاموسه الخاص.

وعموما الطيبة ليست غباء، أو نقيصة، ينال منها كل من أراد أن يسدد ضربات نحو من يتحلون بها، بل إنها فضيلة كبرى، تحتاج لرجال أشداء، يعرفون في قرارة أنفسهم أن الحق دوما براق وواضح ولا لبس فيه، وإذا حلت العتمة، هو بحاجة لمخالب تحفظ وجوده وتضمن إستمراريته مع بزوغ فجر جديد.

المقالة السابقةكيف جعلتني أمي سوبر هيرو
المقالة القادمةأجمل حواديت قبل النوم للاطفال، حواديت ماما نونا وحواديت ابلة فضيلة للأطفال
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا