ذات البعدين

532

في الفيلم الأمريكي the devil wears Prada كانت المديرة أماندا بريسلي شخصية حازمة جداً بقسوة، كانت لا تتردد أن تقلل من شأن من يعملون معها، وتعد وتخلف وعودها، وتفضل مصلحتها الشخصية على كل شيء آخر. 

 

في مشهد ما عرفت أماندا بريسلي أن زوجها سوف يتركها، كانت تبكي أمام مساعدتها وهي لا تضع أي ذرة من مساحيق التجميل، كانت تحكي لها أنها تحتاجه وأنه تخلى عنها وأنها فشلت في الاحتفاظ به رغم أنها نجحت في كل شيء آخر في حياتها. ثم في نهاية الفيلم قامت المديرة الشريرة أماندا بريسلي بترشيح المساعدة الصغيرة للعمل في مكان آخر ولم تنتقم منها رغم أنها تركتها فجأة وخذلتها تماماً.

 

أماندا بريسلي تمثلنا جميعاً، كلنا تلك المرأة ذات الشخصيتين، المرأة التي تستطيع أن تكون شريرة جداً، والتي تعترف بضعفها وتبكي وتنهار.

 

أعرف فتاة (لن أقول أن تلك الفتاة هي أنا حفاظاً على صورتي أمام القراء) تستطيع في بعض الأوقات أن تستدرجك بمنتهى الهدوء نحو الجنون، مستفزة لأبعد الحدود عندما يخبرها عقلها أن العند هو الطريقة المثلى للتعامل مع الموقف، 

 

تستطيع أن تجعلك تكره نفسك واليوم الذي عرفتها فيه، وهناك أوقات أخرى، تستطيع نفس الفتاة أن تجعلك تشعر أنه بإمكانك أن تخبرها أي شيء وسوف تستوعبك، يمكنها أن تتحمل كل أنواع السخافات وتتعامل معها بمنتهى الأمومة.

 

إذا فتحت حقيبتي سوف تجد مرآه صغيرة ومطواة زرقاء، وإذا فتحت النوتة الخاصة بي والتي ترقد دائماً في حقيبة يدي ستجد بيت شعر لييتس يقول فيه ” فأنا بضعفي لا أمتلك سوى أحلامي، نثرتها تحت قدميك فخفف الوطء، لأنك تطء على أحلامي” وستجد في نفس النوتة بعد بضع صفحات وصلة طويلة من السباب الموجه لمديري في العمل.

 

الفتيات جميعاً كائنات ذات بعدين، لسن فتيات الحواديت ذوات الفساتين الطويلة المنفوشة والشعور اللامعة، ولسن جميعاً الساحرة الدميمة في نفس الحواديت. نحن كائنات نعرف قيمة الحياة، لا يمكننا تحمل السخافات للأبد ولا يمكننا كراهيتها للأبد.

 

أماندا بريسلي لم تكن شريرة تماماً، كانت فقط تتصرف كما تملي عليها وظيفتها أن تتصرف، ولم تكن أيضاً طيبة تماماً إذ لم تكن تتورع أن تقصي زميل عمرها عن وظيفة أحلامه لتحتفظ هي بوظيفتها. كذلك تلك الفتاة التي تراها في الشوارع قاتمة ومتجهمة، التي يعلو صوتها إذا ناقشتها في شيء ما، 

 

تلك الفتاة التي تبكي بلا أسباب وتعتبرها أنت موهبة النكد التي تمتاز بها المرأة المصرية، أنت لم تفكر أن تلك الفتاة تعيش معك في ذات العالم، العالم ذو الرواتب الضعيفة والتعليم المتدني، العالم الذي يمتاز بزحمة المواصلات والأفلام السينيمائية التافهة، العالم الذي تضطر فيه أن تمشي في الشارع منتبهة كي لا تمتد يد أحدهم ليأخذ نصيبه من جسدها الهش.

 

لماذا يجب علي أن أثبت للعالم دائماً أنني رائعة؟؟ لماذا يجب علي دائماً أن أمارس الطيبة والتفهم والمرح رغم أنني كائن كامل لا يستطيع أن يعيش على وتيرة واحدة طوال حياته؟؟

 

أتكلم هنا عن الفتاة المصرية، تلك السمراء الهشة، التي يختفي شعرها الناعم تحت الحجاب -غالباً– والتي يطالبها الجميع أن تكون مذهلة رغم أنها لا تعيش في عالم مذهل.

 

أنا لست شريرة تماماً، الفتيات جميعاً لسن شريرات تماماً، إنما هي متطلبات وظيفتنا كامرأة، ولسن طيبات تماماً أيضاً فنحن نعيش على الأرض لا في الجنة، قابلني في الجنة وأعدك أنك لن تطلب مني حينها أن أكون رائعة.

 

المقالة السابقةأنا وجولي وجوليا
المقالة القادمةيوم مفتوح للدلال
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا