"إنك لن تجد في هذا الكتاب شيئا جديدا، ولكنك قد تجد أشياء كثيرة يتجاهلها الناس.. فنحن نعرف ما نحتاجه ونصبو إليه.. والخطأ لا يكمن في جهلنا بالأشياء، بل في تجاهلنا لها".
بهذه الكلمات يبدأ "ديل كارنيجي" كتابه الملهم الذي يحمل الاسم الذي ترونه على رأس هذا المقال! والذي يعد من أكثر الكتب شهرة في الحديث عن مشكلة القلق رغم مرور سنوات طويلة على كتابته. يتناول الكتاب مشكلة القلق التي طالما عانينا منها، ولم ينجح سوى القليل فقط منا في التغلب عليها.
وللقلق نوعان، الأول إيجابي قد يحث الإنسان على إنجاز ما يجب إنجازه في الوقت المحدد وبالدقة المطلوبة، أوعلى تجنب العواقب الوخيمة للتصرفات غير الصائبة. أما الثاني فهو القلق الزائد أو ربما المرضي، ذلك الذي يتحول تدريجيا لدائرة من التفكير والخوف المتواصل أشبه بالدوامة التي تبتلع صاحبها.
والحل دائما يكمن في تجنب الأسباب التي تقودنا للقلق، أي حل المشكلات قبل تفاقمها، أو التعايش السلمي مع المشكلات التي لا يمكننا حلها بأقل قدر من الخسائر النفسية.
يتحدث الكتاب عن هذا القلق "السلبي"، وكيفية مقاومته من خلال عدد من القواعد.
القاعدة الأولى.. عش في حدود يومك! وهي نصيحة صعبة، لكن يمكن الوصول لها بتمرين الذات، فالماضي قد مر والغد لم يأتِ بعد، فلا يبقَ سوى قوة اللحظة الراهنة وهي كل ما نملك من حياة.
فلا تشغل نفسك بخبز الغد، فخبز اليوم هو الأجدر بالبحث عنه، وكل إنسان يمكنه أن ينجز عمل اليوم مهما كان عسيرا، فقط إذا ما ركز على هذا الهدف ولم يشغل باله بالمستقبل، لأن المستقبل سيتحسن بالضرورة، إذا ما ركزنا انتباهنا على المطلوب أن ننجزه في اليوم الحالي، على أن نبدأ بإنجاز الأهم ثم الأقل أهمية.
نفس الشيء ينطبق على الاستمتاع باللحظة الراهنة، فبحثك عن النجاح لا يعني إهدار الحياة في العمل فقط، ومن أكبر الأخطاء التي نرتكبها أن ننتظر أشياء نعتقد أنها ستحقق لنا السعادة في مستقبل أيامنا، متجاهلين ما نملكه فعليا "الآن" من مسببات حقيقية للسعادة، لكننا نعجز عن رؤيتها لانشغالنا بما ليس في أيدينا.. وقديما قالوا "عصفور في اليد.."!
القاعدة الثانية..التزم بحدود قدراتك المالية! فليس من العيب محاولة تحسين أحوالنا المادية، ولكن العيب كله يكمن في تخطيط حياتنا على أساس قدرات إنفاق غير متوافرة لدينا. الادخار مهم لمواجهة الظروف الطارئة وتجنب الديون التي ستدخلك بكل تأكيد في دائرة القلق، فالحرمان من بعض الاحتياجات قد يكون أهون من هم تسديد الديون!
القاعدة الثالثة.. لا تنشغل بالتفاهات! فالحياة أقصر من أن نقصرها بتفاهات لا تهم، فالمشاحنات والخلافات أشياء تستنزف أجسادنا وعقولنا، كما أن اجترار الذكريات المؤلمة يهدر ساعات عمرنا بلا طائل يذكر، سوى مضاعفة الخسائر والألم النفسي. بينما التسامح مع أخطاء الآخرين يعتبر أول خطوة لتحقيق السلام النفسي والتصالح مع الذات.
القاعدة الرابعة.. المحافظة على الصحة! نعم.. فمثلما علمتنا أمهاتنا "لن ينفعك أحد لو خسرت صحتك"، لن تنفعك الأسرة ولا الأصدقاء ولا المال، وبالطبع لن ينفعك عملك الذي تحرق أعصابك من أجله، ثق في الله وقدرته، وافعل واجبك ثم سلّم الأمر له. أحيانا نعتقد أن توترنا الشديد في أثناء أدائنا لمهمة ما كافٍ لإنجاحها، وأحيانا نبذل مجهودا مضاعفا لأداء مهمة بسيطة لإقناع أنفسنا أننا أدينا المهمة كما ينبغي، رغم أنها قد تكون أبسط من كل الإنهاك الذي أصابنا. يرى بعض الخبراء أن العمل الناجح هو ما نستمتع به وليس ما نشعر بالإنهاك بعده، فعندما تشعر بالتعب والتوتر في يوم ما، اعلم أن مجهود ذلك اليوم سيكون عقيما من حيث الكم والكيف. ومن المفيد أيضا أن نتعلم الاسترخاء، فإتقان العمل لا يعني الشد العصبي، راجع نفسك "أتراني أجعل عملي أصعب مما هو عليه فعلا في الواقع؟"، فإذا كانت الإجابة نعم، فيجب أن تغير عادات عملك.. واحرص على الراحة قبل أن يداهمك التعب. هذه بالمناسبة ليست دعوة للتكاسل عن أداء العمل، فمن أهم عوامل تجنب القلق عدم التسويف في حل المشكلات وإهمال المهام حتى تتراكم وتصبح عبء كبير يدعو للقلق.
القاعدة الخامسة.. لا تدفع ثمنا أعلى مما تستحقه الأشياء! فالأهداف التي يطول انتظارها، والأشخاص الذين يستلزم الاحتفاظ بعلاقتك معهم وإرضائهم جهدا لا ينتهي، من الأفضل التخلص من تمسكك بهم! ومن المفيد أن نضع حدا أعلى للقلق لا نتخطاه مهما كان الأمر الذي نقلق من أجله، فقبل أن نستنزف أنفسنا وصحتنا نتيجة لقلقنا على شيء ما، يجب أن نتساءل عن أهمية هذا الشيء الفعلية بالنسبة لنا، وهل بالفعل يستحق كل هذا العناء الذي نتكبده من أجله؟
القاعدة السادسة.. إن لم تستطع الوصول للسعادة تظاهر بأنك سعيد! فحياتك من صنع أفكارك، ومحاولاتك لتصنّع الضحك قد تقودك للضحك فعلا ولو للحظات، على الأقل ستكسر دائرة الهموم وستصنع فارقا ولو صغيرا. لا تنظر لما في يد غيرك فهو غير مقدر لك. حاول تدوين نجاحاتك الصغيرة والأشياء التي تفخر بها. من الجميل أن نتذكر نعم الله علينا عندما تضيق الدنيا أمامنا. فمن ليس له حذاء تهون مصيبته عندما يرى شخصا مبتور الساق. واسأل نفسك "هل يمكنك التنازل عن عينيك مقابل مليار جنيه؟ّ!" إذا كانت الإجابة لا، فيمكنك الآن أن تعرف الثروات التي تملكها ومع ذلك تتناسى ذلك.. فنحن كبشر نفعل ذلك بكل أسف.
القاعدة السابعة.. ساعد المحتاجين! فعندما تتسبب في السعادة للآخرين، ستشعر بالسعادة بكل تأكيد.. هذه قاعدة علمية وليست مجرد فكرة مثالية، فالعمل التطوعي هو سبيل مهم للصحة النفسية والشعور بالرضا عن الذات، والأهم هو عدم انتظار الثناء. وإذا سألت نفسك "لماذا أسعد الآخرين ولم يتطوع أحد أبدا لإسعادي؟!" فالإجابة هي "لأن صحتك تتطلب ذلك!"، وقد أطلق أرسطو على هذه الفكرة مصطلح "الأنانية المستنيرة".
القاعدة الثامنة.. لا تبكِ على اللبن المسكوب! فالماضي بكل أحداثه أشياء لم يعد باستطاعتنا تغييرها أو تعديل مسارها طالما لا نمتلك آلة "الزمن"! فما حدث قد حدث، وعلينا مواجهة آثاره والحد من الخسائر والاستفادة من تجاربنا بأقصى شكل ممكن، فنحن بشر نصيب ونخطئ ونتعلم، وهذه هي سنة الكون. ارضَ عما ليس بيدك تغييره وتجاوز عن الماضي.
القاعدة التاسعة.. نفقات القصاص باهظة! والكراهية هي أساس كل أمراض البدن، والحقد يحطم كل قدرة أو رغبة لدى الإنسان في الاستمتاع بالحياة. من تسبب في إيذائك لا يستحق أن تشغل نفسك بالتفكير به لرد الإساءة.. لا يعني هذا التنازل عن الحقوق بشكل مطلق، بل يعني أن نختار معاركنا ولا نستنزف طاقتنا في الانتقام من كل من أسمعنا كلمة لا نحبها. ومع ذلك فالاستماع للنقد المخلص والبنّاء قد يفيدنا أحيانا إذا ما وسعنا صدورنا لتقبله والاستفادة منه.
القاعدة العاشرة.. كن نفسك فقط! لا ترض بأن تكون نسخة مقلدة، فالله خلقك شخصية مميزة، لا تقتل مواهبك المتفردة من أجل إرضاء الآخرين، عش في إطارك الصحيح ولا تضع نفسك في مكان أو مع أشخاص يثقلون نفسك ويفرضون عليك نموذجا تتبعه. واعلم أن من يعيشون في غير أثوابهم يعيشون فقط نصف حياة.
