خواطر متناثرة عن التبرعات

563

زي كل سنة من شهر رمضان، بيهل علينا مع الهلال والياميش وولائم الفطار، إعلانات التبرع للجمعيات الخيرية والصروح الطبية العملاقة أو الأصيلة، وهي الإعلانات المعروفة شعبيًا باسم “إعلانات الشحاتة”. 

 

رغم إن الإعلانات دي بتكون شغالة طول السنة برتم أهدى، إلا أنها بتتسعر في رمضان، وكلمة بتتسعر ده التوصيف الحقيقي للي بيحصل، مفيش فاصل إعلاني بيعدي من غير 3 إعلانات شحاتة، بيخلوا الواحد يبلع اللقمة بالعافية ويحسسوه بالذنب إنه الحمد لله لاقي ياكل ويشرب ويسكن من فلوسه الحلال اللي يا دوب مكفياه.

 

الكلام ده كان أولاً، أما ثانيًا، فما دام فيه تصميم على إعلانات الشحاتة، ليه مصممين تخلونا نتبرع بأسلوب العلاج بالصدمة؟ ليه مفيش تفكير متفائل في الناس دي لما تخف وتديهم أمل في الشفاء؟ على فكرة المرضى وأهاليهم كمان بيتفرجوا على الإعلانات دي، وكمان هل قانونًا وإنسانيًا، استغلال المرض عند الناس وتصويرهم بؤساء، وتصوير طفل صغير مكمّلش 5 سنين بيقول أنا خايف أموت، أو بنوتة صغيرة وشها محروق وتجبروها تقول قدام الكاميرا إن الناس بتقولها إخص وبتشوفها وحش والعيال مش بتحب تلعب معاها، هل ده تفكير طبيعي؟ هل ده تفكير إنساني؟

 

ليه مفيش تفكير برة الصندوق زي الإعلانات الجديدة بتاعت 57357، أو حتى تفكير مباشر بس متفائل زي مستشفى مجدي يعقوب؟ بس يا ريت نلتزم بشوية عقلانية في الإعلان، بلاش تخرجوا برة الصندوق أوي زي ما عمل بنك الطعام، فطلع إعلان برة حدود الزمان والمكان وجاي مباشرة من فيلم Hugo، ده غير إن الإعلان مش مفهوم أصلاً.

 

نرجع بقى لفكرة الإعلانات من الأصل، مع هجمة الإعلانات السنوية دي، بتظهر هجمة مضادة على وسائل التواصل الاجتماعي بعدم التبرع للمؤسسات الضخمة اللي معاها ملايين وقادرين يصرفوها على إعلانات، وإنه من الأفضل إننا نتبرع بيها لحد نعرفه مباشرة أو للجمعيات الصغيرة اللي في المنطقة المحيطة بينا. 

 

الفكرة دي قد تبدو وجيهة جدًا لما نفكر فيها شوية، فعلاً الإعلانات بيتم صرف الملايين عليها، ده غير إن المستشفيات اللي بتطلع في التليفزيون بتبرق من النضافة، على عكس المستشفيات الحكومية المنتشرة بطول مصر وعرضها، واللي اتفرد لمدى الإهمال فيها صفحات على الفيسبوك. فأصلاً المستشفيات دي معاها اللي يكفيها، وجهة نظر، مع الكلام اللي بيتردد دايمًا ومحدش بيقدر يثبته، عن حالات النصب الكتيرة اللي بتحصل في المؤسسات الخيرية الكبيرة.

 

لكن.. لما نيجي نفكر من وجهة النظر المضادة، نلاقي إن لولا فلوس التبرعات، المؤسسات دي مكانتش هتبقى بالمستوى العالي ده، وده على فكرة المستوى ده هو المستوى اللي المفروض إن المؤسسات الصحية تكون عليه، والمفروض دور الأيتام تبقى كلها نضيفة والعيال فيها بتلبس كويس وبتلعب ومبسوطة، مش العكس.

 

فيه صورة انتشرت لفاتورة سوبر ماركت في السعودية مكتوب فيها إجمالي التبرعات ومبلغ ضخم جنبها، صاحب الصورة بيقول إن عند الكاشير لما الناس بتدفع تمن مشترواتها، بيسألوها تحب تتبرع بـ60 هللة لإطعام الناس؟ المبلغ بسيط وأغلب الناس بتدفعه، فقام في الآخر كوّن المبلغ الضخم اللي كان مكتوب إنه للتبرعات، وده معناه إن الجُمل الكليشيهية في الإعلانات “اتبرع ولو بجنيه” و”كل جنيه بتتبرع بيه مش بس بينقذ قلب طفل، ده بينقذ حياة عيلة” طلعت حقيقية، الجنيه على جنيه على جنيه بيعمل فرق.

 

أنا في الآخر مش عارفة الحقيقة والصح فين، هل الجنيه بتاعي هيكون مؤثر أكتر في المؤسسة الكبيرة ولا المؤسسة الصغيرة؟ موصلتش لقرار نهائي، بس اللي توصلتله بشكل نهائي إني قررت مدّيش فلوس لأي حد قرر يهين إنسانيتي بمشاهد مرفوضة وجارحة، ولا هديها لحد بيبتزني دينيًا، وكل ما هو غير ذلك هستفتي قلبي وربنا إن شاء الله هيوفقني.

المقالة السابقةكُلنا مدمنون لا أستثني أحدًا
المقالة القادمةلنصاب بالوطن البسيط وبرائحة الياسمين

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا