خمسة دروس في الوعي بالذات والشفاء

1796

تغليب العقل على الميلودراما: خمسة دروس في الوعي بالذات والشفاء

بقلم: فيرونيكا توجاليفا

ترجمة: رزان محمود

 

“كن على طبيعتك. وتعتبر هذه الخطوة الأولى نحو التحوّل لنسخة أفضل من نفسك”.. جوليوس تشارلز هير.

في الأشهر القليلة القادمة ستحلّ الذكرى السنوية -سنتان ونصف- لانهياري العقلي.

أنا لا أحتفل باليوم فعليًا، وجزء من السبب يعود إلى أني لا أعرفه -هذا ليس من نوعية الأشياء التي تتذكر أن تضع علامة حول تاريخه في التقويم الشهري- وجزء آخر يعود لأن كامل حياتي منذ ذلك الوقت كانت احتفالًا بما بدأت في تعلّمه تلك الليلة.

 

بدأت في تعلّم أشياء عن نفسي.

كان الأمر كمثل جولة عنيفة من الشفاء والعجز والنسيان والتذكر. شعرت في أوقات كثيرة باليأس والركض عائدة للمخدرات والكحول، لكني لم أفعل.

شعرت في أحايين كثيرة بأني أعبئ عواطفي وأكتمها، أو أريد تفجيرها في وجه أقرب ضحية. لكني لم أفعل. في أوقات عديدة، شعرت بالقرف من رد فعلي وأجبرت نفسي على التوقف عن الأكل ثانية، لمدة يوم أو اثنين فحسب، وبذلك يمكنني أن أشعر بالحرية المريضة للمعدة الخالية، لكني لم أفعل.

 

أعتقد أنه بعدما كدت تقتل نفسك، لا يمكنك أن تعود لما كنت عليه. هناك شيء في عقلك يقول: “لا، لم يصلح هذا الأمر لعشر سنوات خلت، ولن يصلح الآن”.

بصراحة، أنقذ حياتي الوعي بالذات، ولم يكن لديّ شك أن هذا الإجراء البسيط والمتناسق مهم بقدر أهمية ممارسة الرياضة والأكل الجيد.

 

سأعرض عليك الآن دون المزيد من التأجيل خمسة دروس حياتية تعلمتها خلال سنتين من علاج عقلي، وإعادة التواصل مع نفسي.

1- الوعي بالذات يعني حب النفس.

بعد نحو أسبوعين من انهياري، كنت أقلّب في أكوام من دفاتر يومياتي القديمة، أبحث محمومة عن الأنماط. ما وجدته أذهلني: مناشدة تلو الأخرى أني بحاجة إلى حبّ نفسي، لأكون أفضل صديقة لي، وأن أعامل نفسي معاملة أفضل.

لم أترجم هذه المناشدات لأفعال أبدًا، حتى أُرغمت على النظر لانعكاسي، الخام والحقيقي. عندما رأيته [رأيتني]، أحببته على الفور.

 

لا يمكنك أن تحب شخصًا لا تعرفه. وفي النهاية، هذا سبب عدم حب الكثير في مجتمعنا لأنفسهم، أو بعضهم لبعض. ليس بسبب أنهم لا يحاولون، لكن لأنهم لا يعرفون أنفسهم.

بمجرد اكتشاف من أنت حقًا، لا يعود حب الذات خيارًا تختاره أم لا، ولا الحب البشري غير المشروط، في هذا الشأن، لأنك بمجرد اكتشاف وهج السحر بداخلك الذي يجعل قلبك ينبض، فستكتشف ذلك السحر في قلوبنا جميعًا.

 

2- تصديق كل أفكارك أمر خطير.

اعتدت على تصديق كل شيء فكّرت فيه. لوهلة، أخبرتني أفكاري بأني بدينة وقبيحة. وأدّى تصديقها لتدمير ثقتي. ثم، أخبرتني أفكاري أني بحاجة إلى المخدرات والكحول والسجائر، وأدّى تصديقها لتدمير جسدي.

في يوم ما، أخبرتني أفكاري أن أقتل نفسي. كان تصديقها ليصبح تقريبًا آخر شيء أقوم به.

ولمّا كنا آدميين، فإننا نملك تلك المقدرة المذهلة على تصوّر القصص في أدمغتنا وتحليلها وخلقها. يمكن توظيف تلك القدرة في بناء سفن فضاء وإنقاذ العالم، بينما يمكن لنفس القدرة أن تُستغل لإيذاء أنفسنا والآخرين.

لم يصبح الأمر أني لم أعد أفكر في الأفكار السامة بالمرّة. ففي بعض الأحيان، أغدو قلقة وخائفة ولا أشعر بالأمان، مثل أي شخص آخر. لكن الفرق أني ألاحظ ما أفكر به دائمًا وأمحّصه.

أتخذ قراراتي حيال ما أومن أنه صادق، وهذا هو ما يصنع كل الفرق.

 

3- لا يوجد إصلاح سريع (كما أنك لا تحتاج إلى واحد، مهما كان).

عندما كنت في المدرسة الابتدائية، جربت الصلاة لعدة أشهر. لم أكن واثقة بوجود الرب، لكني كنت على استعداد لأن أجرّب.

كنت أدعو: “عزيزي ربنا، أرجوك أن تجعلني أستيقظ في الصباح غدًا وقد خسر وزني عشرين كيلوجرامًا، ودون أي بثور على وجهي، وقد اختفت علامات التمدد من جسدي. فإذا فعلت ذلك، سأبدأ في الذهاب للكنيسة. حسنًا، شكرًا، أعني.. آمين”.

لا داعي لذكر أن هذا الأمر لم يحدث. وبعد خمس عشرة سنة، كنت أحكي تلك القصة لشخص ما وأشار أنه لو كان قد وقع لساءت حياتي أكثر. إن الذهاب للمدرسة وقد نقص وزني فجأة عشرين كيلوجرامًا لهو تذكرة واحدة أكيدة لأصبح “غريبة الأطوار” (أسرع من لو كان وزني يزيد عن المثالي بعشرين كيلوجرامًا).

 

أذهلني الأمر. كيف لم أره بتلك الطريقة من قبل؟

الآن أعرف أنه في ذلك الوقت أردت علاجًا سريعًا لأني لم أكن أفعل أي شيء حيال مشكلاتي. فإننا نشتهي التغيير المعجز الذي يأتي دون جهد عندما لا نعمل على إحداث التغيير الحقيقي بأيدينا.

اعتدت أن أحكي لنفسي قصصًا حول كيف لم أرد التغيير لأنه يؤلم جدًا. بصراحة، كانت عملية الشفاء مؤلمة جدًا أكبر مما يمكنني الوصف، لكن أوتعرف؟ لم يكن الألم في الحالتين واحدًا.

إن الألم الناتج عن تحمل العوائق في طريق قررت أن تمشيه يعتبر لا شيء مقارنة بالألم الناتج عن تعثرك في موقف لا يوجد لديك خطة بشأنه للهروب. لا شيء يؤلم قدر العجز والجمود، فهذا ما لا نريده، في واقع الأمر.

 

4- ربما لن تعجب شخصيتك الحقيقية من عشقوا قناعك الزائف.

أدهشني هذا الأمر حينما وقع أمامي للمرة الأولى. فعندما كنت أنتهج نهجًا مدمرًا للذات، ووقحة ومتحيزة وزائفة، بدا على الناس أنهم لم يكتفوا من كل ما كنت. أما عندما أظهرت ضعفي ونهمي للإلهام، وظهرت شخصيتي ملتمعة العينين، تراجع نفس هؤلاء الناس في رعب، مبتعدين عني.

في شهوري الأولى من المعالجة، قضيت الوقت وحدي في غرفة فارغة أشاهد محاضرات تيد TED واحدة بعد الأخرى، بينما آكل رقائق الشوكولاتة من الكيس مباشرة لفمي. كنت وحدي، لكن بشكل ما، لم أكن وحيدة بعد الآن.

لا شيء يثير الشعور بالوحدة أكثر من كونك محاطًا بأشخاص لا يفهمونك. من يحب مرتدي القناع يصير هو نفسه مرتديًا لواحد، بينما يمثلون في مسرحية ليراها الجميع، مذعورين من أن يظهر ما بخلف الأقنعة.

سيصبح من يختار أن يصبح صادقًا مع نفسه بينما من حوله مقنّعين مرفوضًا، لأن من يضعون الأقنعة يرفضون ذلك الجزء من أنفسهم.

لا تقلق، فهناك أشخاص صادقين ومتفتحين ومحبين للآخرين، بانتظار من هو مثلك في حالته الخام الصريحة. إنهم بانتظارك لتنزل من على خشبة المسرح تلك.

 

5- أنت أكثر الخبراء معرفة بنفسك في العالم.

لفترة طويلة من الزمن، كنت أبحث عن شخص يخبرني ما أفعل بالضبط. كنت أقرأ كتابًا، يحمل فكرة ملهمة، لكن تطبيقاتها كانت تجعلني أشعر بعدم الراحة. ومع ذلك، فكنت أجربها. وبعد أشهر من المعاناة، أدركت أن الأمر لم يصلح، وحسب.

 

يتكرر هذا الأمر مرة بعد الأخرى.

ظننت أنه يوجد شيء ما خطأ فيّ لأن الأطر المحيطة بالآخرين لم تناسبني تمامًا، كقفاز يلائم كفًا. لم ينصلح الأمر حتى بدأت في مساعدة الآخرين، لأدرك أن تلك الأطر، لم يكن لها أن تناسبني.

يمكن لكلمات الناس من حولنا أن تلهمنا أو تخبرنا بمعلومة جديدة، أو في أحسن الحالات، تزوّدنا بأطر عمل قيّمة نضع بداخلها خبراتنا. لكن الكيفية التي نملأ بها تلك الفجوات ونوصل هذه النقاط، عائدة إلينا في النهاية.

من المفترض لاكتشاف الذات أن يكون فوضويًا ومثيرًا للارتباك. من المفترض أن تشعر أن لا أحد يملك إجابات لك، لأنه بالفعل كذلك. أنت من يحمل الإجابات. ستحتاج على الأكثر إلى مرشد لمساعدتك على العثور عليها، وحتى في ذلك الوقت، أنت من يملك الكلمة الأخيرة.

أتتني هذه الدروس الخمسة في شكل مناشدات في البداية، لكنني لم أتوقف عن التعلّم منذاك الوقت. استمرت تلك الحقائق في الورود على ذهني بمختلف الكلمات والأشكال، أثناء تطبيقها على نفسي والآخرين، وخلال نسياني لها، فقط لأتذكرها مجددًا.

لن تحيطني أشعة الشمس وأقواس القزح دائمًا، لكني أعرف أن هناك مخرجًا من أي ظلمة تواجهني، وأعرف أنني حتى لو نسيت، فكل شيء سيكون على ما يرام. وهذا ما يجعل الأمر كله، يستحق العناء.

_____________________

المصدر: أضغط هنا 

المقالة السابقةمكونات مختلفة لطبقات البيتزا
المقالة القادمةإنتي دينامو العلاقة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا