حين يختلط الحب بالمبالغة

3005

ألاء

تم نشرة في 04/13/2018

وقت القراءة : 3 دقيقة

“سيبي كومنت كأنك مراتي وأنا فالشغل”.

هكذا بدأ الشاب الوسيم ذو اللحية الثقيلة والنظرة العميقة والـ”بروفايل بيكتشر” الأبيض وأسود، البوست الخاص به على فيسبوك (الذي أصبحت أعتبره أرض العجائب) راغبًا في أن تترك له كل فتاة تعليقًا كأنها زوجته وهو بالعمل بينما تنتظره هي في البيت، وبالرغم من غرابة البوست ولحظة الـ”إيه” التي تنتابك حين تقرأ البوست -فكيف لي أن أستسيغ أن من الممكن أن تنجذب فتاة لبوست مثل هذا ليجعلها تضغط زر الإعجاب وتترك تعليقًا كأنها زوجته بالفعل؟!- فإنك تنتابك لحظة أشد استغرابًا تكون فيها عاجزًا عن الكلام كليًا، حين تقرأ التعليقات:

 

بدأت الفتيات بكتابة تعليقات من نوعية “وحشتني قوي إنت فين؟” أو “تعالى بسرعة أنا مستنياك”، ليرد الشاب الوسيم ذو اللحية الجنان على كل واحدة منهن في تعليق منفصل، قائلاً لهذه “مقدرش أتأخر على قلبي هاخدك في حضني أول ما أوصل” ولتلك “هنتعشى برة”، ليستمر البوست على هذا النحو ما يُقارِب مئات التعليقات واللايكات.

 

وبينما أنت تستغرب مما ترى وتقرأ، لا يكون سبب عدم قدرتك على الرد الأساسى هو أن هذا يحدث فعليًا على الملأ، ولا أحد يعتبره جنونًا سواك حتى الآن، ولا يكون السبب الأساسي أيضًا هو أنه سيأخذهن جميعهن بين أحضانه، وأنهن جميعهن موافقات على الوضع برغم اعتباره في نظرهن تمثيلاً أو نكتة، بينما يكون السبب الأساسي فعليًا في عينك، هو كيفية القدرة على توجيه مثل هذا الكلام لشخص لا تعرفه، لم تحبه ولم تتأجج مشاعرك نحوه بأي طريقة، بل إذا جاز التعبير، هذا الشخص عبارة عن بوست على موقع تواصل اجتماعي، كيبوورد بمعنى أصح، كيف يصوغ لك قلبك، وتطيعك عواطفك ومشاعرك في أن تُخرِج كلمة “وحشتيني” و”أحبك” لشخص لم تتواصل روحيًا معه أبدًا، وكل ما جمعك به هو تمثيلية إلكترونية ليس لها أي صلة بالواقع؟!

 

جعلني هذا أفكر على نطاق أوسع، نطاق القدرة على أن يصبح خطيب الأمس بجوازة الصالونات “حب العمر المُنتظَر”، وبعد الفسخ يصبح أكبر اختيار سيئ، أو نطاق القدرة على الارتياح لشخص، على سرعة التفوُّه بكلمة “حب”، على تمثيل مشاعر الذوبان في العشق بين شخصين، عرفا بعضهما بعضًا في يوم وليلة، أصبح الحب سريعًا جدًا، مشحونًا بالعواطف، ممتلئًا بالأسى، يشبه كثيرًا قبلة الأفلام العربي الأبيض وأسود، تبدو مزيفة جدًا وملتهبة جدًا بالوقت ذاته.

 

أصبحت العلاقات في مجتمعنا مثالاً حقيقيًا للأفورة، يبدأ الحب بسرعة جدًا، وهو ما يؤدي غالبًا إلى الانفصال السريع أيضًا، فالحب أصبح عملة للتداول، والحرمان من الحب الحقيقي جعلنا نشعر بفراغ كبير جدًا، وهذا الفراغ ينهش بالضرورة في القلوب، فيجعل الناس يلجؤون إلى منافذ أخرى تُمكِّنهم من التعبير عنه، بالارتباط السريع، والانفصال الأسرع منه، والارتباط الأسرع من الانفصال الأخير، بل ولدت الحاجة لقول كلمات الحب وسماعها إلى قدرة شاب على كتابة بوست مثل هذا، يدعو فيه البنات لتعويض حرمان الكلمة الحلوة، لعيش علاقات الحب في كومنت عابر سيختفي بمجرد الضغط على “ريفريش”، وهو ما يتمخض عن أفورة شديدة لا تستطيع أن تتحمل جرعاتها.

 

وبسبب سرعة علاقات الحب، لم يعد يعي الناس جوهره الحقيقي. هل معنى كلماتي أن ليس ثمة وجود للحب الحقيقي المنفعل الملتهب الذي يمكن أن يهد الحبيب فيه من أجل حبيبته الجبال، أو أن تضحي الحبيبة فيه بحياتها من أجله؟ موجود طبعًا، لكن مفهومه مغلوط.

 

من أكثر مشاهد السينما قربًا لقلبي، مشهد حكت فيه هند صبري لخالد أبو النجا مفهومها عن الحب بفيلم “لعبة الحب”، حيث تخبره أنها حين كانت صغيرة، كانت تظن الحب هو أن تضحي بحياتك من أجل من تحب، كأن تقف أمامه لتأخذ رصاصة قاتلة بدلاً منه، لكن حين نضجت، اكتشفت أن معنى الحب الحقيقي هو أن تقدر على أن تحتوي شريكك، أن تتغاضى له عن جنونه ويتغاضى لك عن انفعالك الذي يجعلك تحتد أحيانًا، أن تتمسك به رغم أن مطبات الحياة ستحتم عليكما أن تفترقا أوقاتًا، ثم نظرت بعيدًا وابتسمت قائلةً “بس بيني وبينك إنك تاخد رصاصة أسهل”.. نعم، أسهل كثيرًا من أن تتحمل طباع شخص، من أن تمتص أحزانه، أن تحبه كيفما يريد أن يكون لا حسب ما تريده أنت، حب غير مشروط، يجعلك قادرًا دائمًا على الاستغناء، لأنك ترى أن رحلة الحياة ستكون أحسن مع هذا الشخص بالتحديد، بكل ما فيه من مميزات وعيوب. الحب ليس التعامى عن العيوب وعدم رؤيتها، بل إقرارها والتصالُح مع وجودها، الحب الذي تقويه مطبات الحياة لا تُضعِفه.

 

الأفكار المنتشرة عن الحب الآن الممتلئة بالعواطف الجياشة سريعة الحدوث وسريعة الانتهاء أيضًا سببها الرئيسي هو الإيمان بأن السعادة في الحب تتحقق بأننا كما تقول شادية نقوم وننام وننام ونقوم على حب ف حب، نشعل الشموع كل يوم، نتناول عشاء رومانسيًا كل يوم، نشتري الورود والشوكولاتة والهدايا كل يوم، لكن السعادة في الحب تكمن حقًا في الإيمان، الإيمان بأن من الطبيعي جدًا أن تحدث مشكلات، لكننا سنرغب حتماً في تخطيها، حينها فحسب، ستختفي “الأفورة” في الحب من حياتنا، تمامًا كأننا عملنا “ريفريش”.

المقالة السابقة10 نصايح للأمهات للريلاكس قبل الامتحانات
المقالة القادمةالحلق القاتل
صحفية وكاتبة مصرية.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا