حوار مع أبلة نظيرة

803

ريحت ضهرها على الفوتيه الأخضر وخدت رشفة من فنجان الشاي وقالت لي: عارفة يا هبة إيه أكتر حاجة ضايقتني وآلمنتي في حياتي؟ قلت لها: إيه يا أبلة؟ قالت لي المشهد بتاع مسرحية “المتزوجون”.. لما سمير غانم قال لشيرين “دي مش صفحة الملوخية.. دي صفحة الوفيات يا لينا”.

 

*** 

 

هبة: في البداية يا أبلة نحب نعرّف قراءنا شوية معلومات عنك، ونحب إنك تحكي لنا عن حياتك.. هل تتخيلي يا أبلة إن في سنة 2013 فيه ستات وبنات في مصر بيعتبروكي شخصية أسطورية! مش حقيقية يعني، وإن كتابك ده زي كتاب ألف ليلة وليلة كده!

 

أبلة نظيرة: بداية أنا اتولدت سنة 1902، وخلصت دراستي الثانوية ودخلت كلية التدبير المنزلي، وفي سنة 1926 قررت وزارة المعارف إرسال بعثة تعليمية لإنجلترا مكونة من 14 بنت.. وأنا كنت واحدة من ضمنهم. سافرت إنجلترا ودرست الطهي في كلية جلوستر الملكية. قعدت هناك 3 سنين درست فيهم  المطبخ الإنجليزي والفرنسي. بالإضافة كمان لعلم التغذية والإتيكيت، وبعض العلوم المرتبطة بالغذاء وطهيه وفوايده وطرق تقديمه، وكمان درست فنون التطريز والخياطة.

 

هبة: أنا فعلاً لاحظت كده من خلال كتابك يا أبلة، ولاحظت إنه مفيش حاجة تقريبًا مش موجودة فيه، وإنه مرجع مهم جدًا لأي حد عايز يتعلم الطبخ من البدايات. يا ريت حضرتك تحكي لي إيه اللي حصل بعد البعثة.

 

أبلة نظيرة: بعد ما رجعت مصر اشتغلت مدرّسة لمادة الثقافة النسوية في مدرسة السينية.

 

هبة: الثقافة النسوية؟!

 

أبلة نظيرة: أيوة.. اللي إنتم بتقولوا عليها دلوقتي التدبير المنزلي. في المدرسة كنت حريصة جدًا على إني أحبب البنات في الطبخ وإنهم يتعلموا إن بأقل وأبسط المكونات ممكن نعمل سفرة أنيقة ونجهز أكل حلو.

 

هبة: تعرفي يا أبلة إني دلوقتي مادة التدبير المنزلي مبقتش محل اهتمام في مدارس البنات؟ وإن مطبخ المدرسة مبقاش فيه أدوات لضغف الإمكانيات؟ واللي عايزة تتعلم طبخ تتعلمه في بيتها بقى.

 

أبلة نظيرة: بس إنتم محظوظين يا هبة.. إنتم ممكن تعملوا بحث على النت، وتشوفوا الوصفة اللي إنتم عايزينها وبأكتر من لغة.. أيامنا مكانش متاح غير الوصفات المتوارثة واللي بقت بتندثر يوم بعد يوم باندثار العائلات الكبيرة.

 

هبة: عندك حق والله يا أبلة.. هل تتخيلي إن فيه بنات دلوقتي متعرفش يعني إيه ألماظية ولا كمونية ولا شركسية؟ ولا بيعرفوا يعملوا حتى روستو؟ وده يخليني أشكر حضرتك جدًا على كتاب فن الطهي اللي اتعلمت منه كل الوصفات دي، وأسأل حضرتك: إزاي جاتلك فكرة الكتاب ده؟

 

أبلة نظيرة: سنة حاجة وأربعين ـمش متذكرة السنة بالظبطـ وزارة المعارف أعلنت بين مدرسات التدبير المنزلي عن مسابقة لتأليف كتاب طهي لتدريسه في المدارس، وأنا وأبلة بهية عثمان اللي درست في كلية بردج هاوس فزنا في المسابقة، وبدأنا شغل في الكتاب، فجمعنا كل تراث الأكل المصري الصميم، إضافة للأكلات التركية والشامية المشهورة في المطبخ المصري، وبعدين أضفنا كل ما يمكن ذكره من الوصفات الأجنبية والوصفات المستحدثة ذات المكونات المتوفرة في السوق المصري.

بدأ الكتاب يدرّس في المدارس، وكان بنظام الرطل اللي كان منتشر في مصر وقتها، وبعد ما تم اعتماد النظام المتري قمنا بمراجعة الكتاب مرة تانية واعتمدنا مقاديره بالكيلو. والكتاب مكوّن من 18 جزء في 890 صفحة، وبيمثل موسوعة شاملة لكل أشكال الطهي.

 

هبة: وهل توقفت مسيرة حضرتك العملية على الكتاب ده؟

 

أبلة نظيرة: بالطبع لأ.. قريب جدًا من فترة طلوعي على المعاش، كنت وقتها مشرفة على تدريس مادة التدبير المنزلي، اتصلت بيّ السيدة صفية المهندس واقترحت عليّ أعمل فقرة يومية ثابتة في برنامجها الإذاعي الشهير “إلى ربات البيوت”. كنت في البرنامج كل يوم بختار وجبة غداء كاملة وأشرح مكوناتها وطريقة عملها. وبعد كده بقى ليّ باب ثابت في مجلة “حواء” الأسبوعية. واستمريت في الكتابة في المجلة حتى بعد توقف البرنامج.

 

هبة: في نهاية حواري بشكر حضرتك جدًا، وأحب أطلب منك كلمة توجهيها لقارئات المجلة. 

 

أبلة نظيرة: أحب أقول لكل محبي فن الطهي، علشان تعملوا أكلة حلوة إنتم مش محتاجين أكتر من موقد وإناء، ولو في حاجة تانية ضرورية في المطبخ فهي الساعة. والأهم من كل ده الحب اللي هيخلي لكل حاجة معنى.

 

***

 

توفيت السيدة نظيرة نقولا عام 1992 عن عمر يناهز 90 عامًا، قدمت خلاله الكثير للمطبخ المصري وللمكتبة العربية.

المقالة السابقةالفواكه المشوية تحلية دافئة للشتاء
المقالة القادمةفي الخروج عن المألوف

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا