حتى وإن لم يكن للعزاء معنى

794

بقلم/ وفاء خيري

 

أتأمل في ذكريات الأموات، وأنظر في التاريخ العابر لكل حالات الموت التي سمعت عنها أو عشتها أو حتى عبرت من خلالها، أرى وقع الفجيعة يحيط بالجميع عند الوهلة الأولى، يرتبك الكثيرون، ينوحون، يعبرون عن مآسيهم في الفقيد.. تمر بضع سويعات في ساحة العزاء نفسها، يبتهلون إلى الله بالرحمة وأعلى مراتب الجنان لمن قضى نحبه من سويعات.. يتذكرون مواقفه النبيلة وبطولاته الأثيرة وكيف كان شخصًا نبيلاً رائعًا بحق.

 

تمضي السويعات، ويظل الأقربون ينتحبون ويتساءلون كيف حدث كل ذلك، ولماذا لم يجُد الله عليهم ببعض الإشارات حتى يفهموا ما هم مقدمون عليه، بينما الغالبية قد صُدموا وانتهى الأمر، يذكرون الفقيد بالخير في المجالس الجانبية ثم يشرعون في حديث غيره، يطمئنون على الغائب فيهم وعلى المكلوم، ولا يخلو الأمر من مباركة إن كان هناك ما يستحق.

 

ثم يغتبن بعضهم البعض ويتفاخرون بالحياة المترفة التي يحيونها، ويغيرون الأحاديث مرارًا، وتأتي لهم أطباق الطعام، كما يقدمونها في الوضيمة. يذهبون إلى بيوتهم جمعًا ويبات القليل عند أهل الفقيد ثم يعود البقية أدراجهم، تمر الأيام ويعيش الفاقدون أيام العمر القميئة بينما يمر البقية حولهم مرور الكرام، وينتهي بمرور الوقت أثر الحادث في أعين الأغلبية بمجرد انتهاء العزاء، بل حتى ينسى البعض أن الأثر ما زال متروكًا وأن الجرح ما زال قائمًا.

 

أكتب ذلك عن تجربة عشتها لفقد أب عزيز، وفقد الكثيرين ممن عرفتهم، أحببتهم بصدق، ولكن الحب وحده لا يكفي حتى يغير الفقد في حياتي شيئًا. ودليلاً على ما أقول، كان هناك حفل زفاف في عائلتي، ولم أذهب لأنه طبقًا لبعض العادات الصارمة يجب ألا يذهب أهل الفقيد إلى أي مناسبات سعيدة أو أي ظروف معتادة إلا بعد عام يحول على من مات.

 

أخبرت صديقة لي عن زفاف بعينه وسألتها كيف كان وأن لنا أقرباء في هذا المكان وبعد أن عرفت ذلك قالت لي: لماذا لم تأتِ؟

قلت لها ببساطة: لأن عندنا عزاء!

قالت: من؟ لم أسمع وآسفة لذلك.

ولكن بعد دقائق أخبرتها أن أبي ميت، وهي تعلم ذلك جيدًا، وكان قد توفي من شهور، وليس هناك وفاة جديدة عندنا.

 

ببساطة شديدة لا أحد يهتم ولن يهتم، بينما هناك نساء يتشحن بالسواد طوال العمر، وستضاف على البعض ألقابًا جديدة، أرملة، ثكلى، يتامى، وانتهى الأمر للبقية.

 

آه يا له من شخص طيب! شخص عزيز، لقد كان وديعًا جدًا ما أطيبه! وتمر الأيام، ويزداد الجرح في قلوبهم هم، قلوب من تأسفن على الحياة بدون روح الفقيد الطاهرة، فإلى كل هؤلاء أوجه حديثي ومؤازرتي.. عسى أن تجدوا سكينتكم التي فتشتم عنها كثيرًا، ولترقد روح الفقيد في نعيم الله الأبدي!

 

ولترقد روح الفقيد في نعيم الله الأبدي

المقالة السابقةمشاعر الذنب التي تأكل الأمهات
المقالة القادمةكم أنتَ قاسٍ أيُّها العالم!
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا