حبنى وخد ريال.. المحبة مش بالحيال

1738

عن تلك المعاني مزدوجة التعبير التي تبقيك شغوفًا لسماع بقيه الجمل، بينما تصلي داخليًا بأن يكون هذا الآخر المواجه لك ليس مثلهم وليس مجرد خيبة أمل مغلفة بحلوى العيد الطيبة، تحاول إيقاف عصارة معدتك المشتاقة لعلاقة إنسانية مريحة، وتحاول تأخير عملية الاستمتاع بما يقال، محاولاً إقناع نفسك بأن تبقى لمزيد من الوقت بدور المتلقي الصامت المحلل، فربما يقول ما يثبت حسن نواياه ويبعد عنه كل هذه السيناريوهات الشريرة المكررة من الاستنزاف والاستغلال، التي يكررها أشرار كوكبنا الصغير بكل رتابة، لا أفسرها إلا بكونها مجرد إهانه لذكائنا.

 

السيناريو السيئ:
يتوحش الملل بك ويتخلى عنك اليقين بجدوى الحدث، ليتركك بين أيدي وحدتك ومدى ضعف يقينك في هذا الآخر المقابل لفراغ روحك، تبدأ بالشعور بالشفقة على حالك ليقينك بصدق احتياجك أن يكون حقًا مختلفًا.

 

تبدأ دوامة الأسئلة البديهية تلتهمك شيئًا فشيئًا، بينما تتخلى عنك كل أعذارك السبعين التي من الواجب اتخاذها لإخوتنا بالكوكب، كونه ربما يحاول بناء جسر تواصل ولكن خانه التعبير لا أكثر ولا أقل! لكن مع الوقت تتأكد أن كل ما يهم هذا الآخر هو نقل صورته المعدلة عن نفسه، وإعطاؤك بعض أوامر ضمنيه بحواره لطريقة تفاعلك معه مستقبليًا.

 

أتحدث هنا عن كل خيبات الأمل التي كللت أرواحنا مع كل محاولة لإيجاد رفيق حكي جيد نرتاح معه بالحديث ونثق بنواياه الطيبة، ليستمع لنا، وربما يكون مرحبًا لنلقي بين يديه خوفنا الأكبر وتخبطات روحنا الضارية، فنلجأ له كظل لأرواحنا المرهقة بهذه الدنيا بشمس حقيقتها الحارقة، لا ننتظر منه أن يكون مثاليًا، ولكن ننتظر منه فقط أن يحترم ضعف وتخبط أرواحنا، لكن لمَ هذه الإنسانية المطلقة البسيطة في قوانينها الأولى صارت بهذه الصعوبة؟!

 

هل من الصعب أن يظهر احترامًا لتجاربنا ولطريقتنا في حلها، بأن لا يعايرنا بجبننا أو بضعف حيلتنا بين جملة وأخرى تليها؟!

هل من الصعب أن يتوقف عن مقاطعتنا كعلامة لتقديره لما سنقوله، إن كان دراميًا صرف، أو يصنف تحت الكوميديا السوداء حتى؟!

عادة بهذا السيناريو يكون هذا الموعد المناسب لتشعر كونك في ورطة لا مهرب منها، لأنك تجلس مع شخص ما أيًا ما كان مدى قربك منه، بينما تبحث في جعبتك عن خطط لهروب آمن، بعدما مللت وفقدت كل قدراتك لخلق عالم يقوى على استيعاب جسديكما معًا! هذا اختلاف لا يمكن التغاضي عنه، فهو اختلاف على المبدأ وعلى القانون الأساسي للحوار ولتكوين علاقات إنسانية، فلا يمكن أن يبذل أحدكما مجهود الوصول للآخر بينما يقف هذا الآخر مكتوف اليدين دون أن يدنو بجسده منك، هذه إهانة فجة بقانون التعارف الإنساني الأولي، تستحق التوقف والرحيل على الفور مهما كنت قد شرَّست روحك وصُمت عن كل من كان متاحًا بحثًا عن الرفيق المناسب للحكي.

 

إن واجهك هذا السيناريو السيئ، والذي قد يتكرر كثيرًا -مع الأسف- لكون العالم صارت أحداثه السريعة كفيلة بإرهاق أرواحنا جميعًا، فعليك يا عزيزي أن لا تكفر بالفكرة من الأساس، وتصوم عن الحكي وعن البشر، فقد يكون هذا الفعل الاحترازي هو نقطة نخر السوس الأكبر، فكما يقال “غلطة الشاطر بألف”، فقد يتسبب هذا الصوم في جعل حكمك مشوشًا لكون محركك الأساسي لم يعد عقلك الواعي الذي يحكم على البشر ويقرر من هو يستحق ومن لا يستحق، ولكن صار محركك هو احتياجك الصرف لأن تحكي فقط وترفع عن كاهلك هذا الوزن الثقيل فقط، فلم يعد من المفاجئ أو الغريب أن نرى البعض ينفجر باكيًا مع غرباء على أرصفة انتظار القطارات، أو يفتح موضوعًا من عدم مع زميل يجاوره بالحافلة يحكي له عن كل مشكلاته مع زوجته وأولاده وكم هو حائر ومتخبط، ثم يتركه في سلام ويرحل، شاعرًا بحديثه الصغير هذا وكأنه قلل حجم الورم المؤثر على قدراته الحيوية للسعادة والحياة بالمطلق.

السيناريو الجيد:
قد يكون كلامي السابق يوحي بأن “طريقك مسدود مسدود يا ولدي”، لكن حقيقة الأمر أن هذا مجرد عرض سريع لما قد تلاقيه برحلتك للبحث عن من تثق بكونه رفيقًا جيدًا يستحق المشاركة كصديق أو رفيق حكي، حتى لا يصدمك الواقع وتكفر بالفكرة من الأساس، فهذا وارد يا صديقي. لكن أحيانًا يطيب ويبتسم حظنا العابس ويتجلى الله في الأشخاص ونشعر بالطبطبة الإلهية التي دومًا ما ندعو بها سرًّا وعلانية، فتجد من يستمع لك مهتمًا بما تقول ومحترمًا لآلامك وتخبطاتك ومقدرًا لكل خيباتك وانهزاماتك، بينما هممت بالمحاولة لإيجاد الطريق المناسب، وكأن فراغ قلبك لو حددت أبعاده طولاً وعرضًا لكان قياس يد هذا الآخر هو الكافي والوافي لرأب هذا الصدع، الذي طالما أرَّقك وجعلك تشعر بكونك غير مكتمل.

 

البشر ما هم إلا طاقة، ولنتخيلها جنيهات ذهبية بحصالة، وتبعًا للمسؤوليات الإجبارية التي تُلقى على عاتقنا كاحتكاك يومي مع زملاء عمل مختلفين عنك، ومواصلات مستنزفة للروح، يتبقى لدينا القليل من أجل أنفسنا، وعليه فمن الواجب اتخاذ الحذر حتى لا نضيع ما لدينا من أجل اللا شيء في علاقات اختيارية هشة، صداقة كانت أو حب مع أشخاص تغلب على صفاتهم الأنانية.

 

أعتقد أن العلاقات الإنسانية المريحة إن وجدت، لهي الهبة الأهم والأعظم، وترجع ندرتها لكون البشر هم الكائنات الأكثر تعقيدًا، ولكونها لا تنفع بها شفاعة، فالمثل القديم يقول “قالك حبني وخد ريال.. قوله المحبة مش بالحيال” فالحب والتوافق هما هبة إلهية يلقيها الله بقلوب البعض وينتزعها من قلوب آخرين، يتقارب الناس بعضهم لبعض لأسباب كثيرة، بعضها عميق وبعضها سطحي والبعض الآخر يصب في مصالحهم المتبادلة ومكاسب بعينها، لكن إن تأملنا قليلاً سنجد أن الحياة قصيرة جدًا، وكونها قصيرة يجعلها تستحق أن نعيشها قدر الإمكان سعداء مع من يستحقون أن يشاطرونا إياها، بأقل قدر من الخلاف المفتعل والإرهاق، وإن قدر لنا الخلاف، وهذا سيحدث بالتأكيد، لكون الحياة ليست بالبساطة التي نتمناها دومًا، إذًا فليكن خلافنا بناءً وهادئًا غرضه الأساسي إيجاد أرضيات مشتركة تخدم الفكرة الأكبر والأهم، وهي الحفاظ على الونس والوصال الروحي، الذي لندرته يستحق منا كل مجهود لإنعاشه، حتى وإن احتجنا للحل بالصدمات الكهربائية.

المقالة السابقةلماذا خفت من دوائر الحكي الآمنة والأصدقاء؟
المقالة القادمةبيوت جميلة أم بيوت مريحة؟

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا