ثلاثينية وأفتخر

2329

كنت دائمًا أرى من حولي يخافون سن الثلاثين، وكأنها نهاية العمر الافتراضي للإنسان، بل نهاية الحياة والوجود، فتراهم متمسكين بلقب العشرين حتى آخر نفس، ويأتي اليوم الموعود ويذهب رقم اثنان من خانة اليسار للأبد، ليحل محله رقم ثلاثة، وهلم جرًّا. فترى من يكتئب ومن يرفض حتى الاحتفال بهذه المناسبة، ويبدأ بين يوم وليلة في التعامل مع الحياة بمنظور مختلف، وكأنها بداية آخر فصل في قصة حياته، فيقرر أن يكتفي بالوجود، فلا يتعلم ولا يخاطر ولا يطمح، ولا حتى يجرؤ أن يحلم.

 

بالنسبة لي كانت العشرينيات مثل حلبة مصارعة ذات جولات أربعة، في الأولى صارعت شفقتي على ذاتي وإحساسي بالقلة، وبعد صراع مؤلم طويل توصلت ليقيني أني قيمة في نظر خالقي، وهذا يكفيني كبداية.

 

في جولتي الثانية صارعت مفهوم الفضيلة المجتمعي بموروثاته البالية، والتي عكَّرت سلامي لسنوات، ثم مع التمرين وبمساعدة خارجية تعلمت تنقيح الأفكار، وأصبحت قادرة على التفرقة بين ما يناسبني وأتخلص مما ينافي قناعاتي.

 

أما الجولة الثالثة فصارعت فيها لسد عطشي للحب واحتياجي للقبول غير المشروط، ولحسن حظي وجدت من هم قادرين على حبي كما أنا، وهذا الشعور في حد ذاته شفاني.

 

وأخيرًا في جولتي الرابعة صارعت في البحث عن معناي، حيث كانت هذه الجولة الأصعب والأكثر شراسة، ففيها وقفت أمام سؤالي عن القصد الأعظم من الخلق عمومًا، ومن خلقي أنا بشكل خاص. ومع كل يوم بلا إجابة كان الفراغ يمزقني من الداخل، إذ تشتد حاجتي للمعنى ويزيد الشعور بالخواء، مع بداية كل سنة جديدة من عمري كان احتفالي ينقصه الحياة، فأنا أتنفس وأتحرك وأوجد بالجسد، أما روحي فكانت تنازع لتحيا وتخرج للنور.

 

ثم يأتي عامي الثلاثون في 2015 وتتاح لي الفرصة للتوقف والنظر للخلف، فأتأمل كيف مرت عقودي الثلاثة السابقة، وأجد مشاعري -على غير المتوقع- ممتنة وشاكرة، بل وراقصة، فبرغم معاركي الكثيرة فقد ذقت النصر مرات، وأراني ممتنة وشاكرة لدموعي التي طالما كانت هي ونيسي الوحيد، فبرغم كل شيء أنا سعيدة وفخورة بصداقتي معها، حتى مع استمرار صراعي الأعظم مع المعنى، فأنا الآن بدأت أرى كيف أني بمرور كل يوم جديد أجدني أقرب للإجابة من اليوم الذي سبق.

 

ها أنا اليوم بين عامي الحادي والثلاثين والثاني والثلاثين، وأعلنها وكلي امتنان “لقد وجدت معناي وسط سطور الكتابة”، ولقد توّج عام 2016 رحلة بحثي الطويلة، إذ أتيحت لكلماتي الفرصة للخروج للنور وإشباع جوعي.

 

نعم أنا ثلاثينية وأفتخر، بل وأنتظر كل مرحلة جديدة بشغف طفولي عميق، فأنا أشتاق لكل سنة جديدة حتى أحكي لها عن سنيني السابقة. أيًّا كان العمر الذي أعيشه، فسحره سيبقى فريدًا من نوعه، إذ تتوجه خبرة سنين سبقته ويحليه غموض سنين قادمة.

 

ممتنة للحياة!

 

 

المقالة السابقةاحتمال الدورة الشهرية بطولة
المقالة القادمة7 أمور لا يعرفها الرجال عن البريود

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا