تذكرة رحيل

1020

 

بقلم/ أمنية شفيق

 

الرحيل كالضيف، يطرق الأبواب بموعد وبغير موعد، بإرادتك كضيف تُحب رفقته أو مجبرًا عليه كضيف ثقيل.

 

الرحيل ربما يكن باختيار وقرار بعقلٍ واعٍ في لحظةٍ ما، وربما تحسبه هينًا وعاقلاً، وإذا عاد بك الزمن لاتخذته مرارًا وتكرارًا، وربما لا، ويعقبه الندم ويورثك الشعور بعدم الأمان.

 

أيًا ما كان قرارك في شرائك تذكرة رحيل إلى وجهة أخرى في موطنك، موطن آخر لم تطأه، عالم آخر لم تره، تجربة جديدة تشد إليها رحال أفكارك، أشخاص آخرون، دماء جديدة تضخها في حياتك بدلاً مما أزهقت بداخل روحك.. وهكذا إلى أن تُقطع لك تذكرة رحيل من العالم الدنيوي.

 

عليك أن تتحمل عقبات الرحيل، فلكل خطوة في هذه الدنيا أسباب ودروس وغيبيات، لا بد أن تأخذ على عاتقك أن تتعلم، وأن هناك حقيقة ثابتة في هذه الحياة، وهي أنك ستمر على محطات ومحطات لتشتري تذكرة رحيل من الواحدة تلو الأخرى.

 

مع كل تذكرة رحيل ستترك رسائل تُرد للمرسل، ورسائل قد تصل عبر تواصل الأرواح في عالم دنيوي أو عالم غير مرئي ما بعد الدنيوي، ولكنها رسائل صادقة ناتجة عن جرح غائر، بمقدار المحبة وبقدر مسافات الفراق، بقدر الصدق في الرحلة والدموع في لحظات الوداع.

 

رسائل تمنينا أن تُسمع وأن تُقال وجهًا لوجه، رسائل موجعة تُعبر عما عِشناه في غياب أعز الناس، رسائل مُفرحة فيها ما أردنا أن تشاركونا إياه وأصبح ناقصًا دونكم. رسائل صامتة، تخيلناكم أمامنا، فتخيُّل صوركم أمامنا فقط راحة، والصمت في أعينكم إزالة لكل حزن.

 

رسائل على الورق ومُزقت، أو كُتبت واحتُفظ بها للتأكد من عدم وصولها، أو لأنها لن تُغير شيئًا، ولكن ليس كل تذاكر الرحيل تعني الوصول لنهاية طريق، ولكنها يمكن أن تدوم بما لا يرحل عنك وما يتغلغل فيك وقت البقاء، وما شعرت به وقت الشدة والرخاء، ما ضحكت وما بكيت بسببه ومعه، وقت ظننت أنك ملكت أو فقدت الحياة.

 

ما لا يرحل هو ماذا فعلت وماذا قلت وماذا أدركت. ما لا يرحل صور معلقة على الجدران فيها روح وريحان الأيام.. أيام وددت لو بقيت، ولكنها لن ترحل من الوجدان أبدًا ما حييت. ما لا يرحل طريق ذهبت فيه، فيه رسائل وتذكار، ربما يهديك أحد بواحدة من هذه الرسائل لن تفهم معناها في أوانها، ولكنك بعد وقت ما تفهم أنها كانت رسالة بها ذكرى، برغم كونها ذكرى برحيل أصحابها لكنها دائمة. ما لا يرحل هو العلامات التي تُركت في القلوب مع كل رحيلٍ ممنهج، وكل رحيلٍ أتى على قلب صاحبه بغتةً.

 

إلى كل تجارب البشرية الراحلة.. أثيرك وأثرك لن يرحلا، فالسلسلة متتالية متحركة متشابكة برحيل خطوات من عاشوكِ، كي يتفقد الطريق مَن خلفهم.. وهكذا بتتابع الأيام محتمة رحيلها على كل إنسان. فكن متفهمًا لحدث الرحيل رغم صعوبته ورغم كثرة ما يغيره فيك، ورغم وضوح أو غموض أسبابه.

 

يبدو أن تذاكر الرحيل موجعة أكثر من كونها مطمئنة، ولكنها حقيقية وتجعلك ترى أن بِعِظَم الأحداث تتضاءل الأشياء المتبقية.

 

وليكن رسالتك التي تصل هي: “عَاشروا الناس عِشرهً إن غبتم حنّوا إليكم، وإن فُقدتم بكوا عليكم”، وليكن إيمانك بأنه “أحبب من شئت فإنك مفارقه”، ولكنك ستُدرك تذكرة اللقاء بعد أن ينتهي موعد تذكرة الرحيل يومًا ما.

 

أحبب من شئت فإنك مفارقه

 

المقالة السابقةمطبات الحب السبعة
المقالة القادمةوما الحب إلا…
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا