بيت قانون جديد

547

عزة
تم نشرة في 07/05/2015

وقت القراءة : 2 دقيقة

أضعت عمرًا طويلاً في محاولة الاستقلال، الخروج من بيت العائلة إلى بيتي.
لما عشت فترة قررت فيها عدم انتظار الزواج والخروج من القوقعة النمطية للبنت المصرية، ووضعت احتمالاً كبيرًا لأن ينقضي عمري دون زواج، حاولت
رسم مساحتي الخاصة في بيت العائلة.

لكن تغيير لون السجادة كان يحتاج إلى مناورات، وتفصيل ستارة تُرفع بفيونكات جانبية احتاج إلى خطة وتجديد أساليب المناقشة، ولم تسفر عن أي نتائج.
محاولة تبديل مكان السرير مع المكتب تطلبت غياب أهلي عن البيت يومًا كاملاً حتى أتم المهمة وأفرض الأمر الواقع.
بات الأمل لوحيد للعيش بحرية وإضفاء طابعي الخاص على مكاني هو الاستقلال في بيت بعيدًا عن العائلة، لكن كعادة كل العائلات أصحاب الثقافة الشرقية،
احتاج الأمر سببًا قهريًا، غالبًا ما يفشل في النهاية.

من حيث لا أحتسب بدأتْ قصة حبي وتمت خطبتي ومن بعدها الزواج في خلال عام بالتمام والكمال.
مع زوجي كنا كأسرة مصرية صغيرة تعافر لبناء مستقبلها وتخوض الحروب الساذجة في المواصلات والأسواق وأصحاب العمل لتوفير ثمن حجرة الأحلام
والنجف الذي حلمت به، وأهم شيء لون السجاد الذي يشابه نفوسنا.
اختيرت كل قشة في البيت الجديد بلون الأحلام، فأول شيء في جهاز العروسين كان الكرسي الهزّاز وترابيزة الشاي، ولما تغيرت الميزانية واختلفت
الأولويات ولم أتمكن من شراء أباجورة توضع جوار الكرسي الهزاز لإكمال ركن القراءة، أتتني بها إحدى الصديقات هدية زواجي، واكتمل ركن القراءة.
ورُسِم كل ركن كما تمنيته وكما جاء في الحلم من أول الخطبة.
كل شيء في البيت اكتمل كما خُطّط له، إلا البيت نفسه، البيت اختارته الظروف وأماكن العمل وارتباطات زوجي والميزانية. تقبّلت الأمر لإيماني بأنه مرحلة
مؤقتة في بداية حياتنا، وعام أو اثنين وننتقل إلى بيت الأحلام.

كنت أؤمن قديمًا أن البيوت تحيا بأنفاس ساكنيها، وأن البيت تُطلى جدرانه بألوان روحنا وذكرياتنا وأننا مسؤولون عن روح الشقة وأثرها على نفوس
الضيوف.

حاولت وضع أجزاء مني في المكان، طليت البيت بيدي مع زوجي دون استعانة بنقّاش، غسلت الأرض بالماء والملح وفرشت أغنياتي وحواديتي ودموعي
وضحكي في كل زاوية في البيت.

لكن البيت يتمرّد على كل شيء ويعلن رفض أي تغيير فيه، فبدأت أكباس الكهرباء في الزعق ليلاً، أستيقظ على صوت الفرقعة ورائحة الشياط وخيط دخان
يتسرّب من الفيشة. منذ يومين انفجرت ماسورة المياه في المطبخ باصقة على كل الأطعمة الشهية التي أؤلفها وأضع فيها من روحي لاسترضاء البيت.

بدأ البيت في ابتلاع حاجاتي الخاصة، فتضيع توك شعري وفردة الحذاء القديم وشاحن الموبايل، والبلوزة المريحة في مشاوير الصيف. اختفت أشياء كثيرة
بشكل مريب وفقدت الأمل في ظهورها بعد البحث عنها في كل الأماكن المنطقية وغير المنطقية.
شعرت بالبيت يأكل حاجاتي. إذا غاب زوجي فترة أطول من المعتادة لا أخرج من حجرة النوم خشية أن يبتلعني البيت أو أجده أكل شيئًا من العفش أو أضاع
مثلاً الكرسي الهزاز.

حاولت أخذ نفس عميق بعيدًا عن البيت، لأعود بعد يومين وأحاول بناء صداقة جديدة معه وأرسم بأنفاسي على الجدران، ذهبت لأمي يومين.
كانت أمي هي الأخرى انتقلت إلى شقة جديدة، كل شيء فيها مرتّب بالمسطرة، رائحة بيتها الجديد نظيفة خالية من أي أتربة أو عوادم، أمامها شارع واسع
وبوابة مغلقة بمفتاح، شقة جديدة خالية من الذكرى، من الأنفاس، لا تثير أي شغف، الجدران طلاها نقّاش لا نعرفه أدّى المهمة وقبض الثمن ورحل.

البيت الذي بنيت فيه ذكرياتي وحاربت لتغيير لون السجاد ونقل السرير، أصبحت تغطيه الذكرى والتراب، الدولاب مليء بملابس قديمة وأشياء مهجورة لم
يعد لها صاحب.

لم يعد لي مكان مرسوم بأنفاسي أو روحي باهتة عليه، أصبحت أعيش فقط في انتظار تملّك بيت يمكنني رمي ذكرياتي وأجزاء مني في أي ركن فيه، دون
خوف أن يعاندني أو يبتعلها أو أضطر إلى رحيلي عنه وترك ذكرياتي للتراب.

المقالة السابقةتربية اسماك الزينة للمبتدئين: الأنواع والأشكال ونصائح حول طعام السمك
المقالة القادمةيا بخت مين كان “شريف” صاحبه

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا