امسك متنمر

1141

 

بقلم/ مروة عطية

 

نظرات زائغة.. يلتفت حوله يمينًا ويسارًا، يصرخ في وجه من حوله من أقرانه، يتشاجر معهم باستمرار، يستفزهم. عينان حمراوان وملابس غير مهندمة، انفعالاته سريعة، تعنفه معلمة صفه.

هكذا لفت نظري هذا الصغير عندما كنت ألقي ندوة عن التنمر، لقد جعلني أغير من طريقة إلقاء الندوة وجعلها ندوة تفاعلية، بدلاً من أنها لمجرد التوعية بأضرار التنمر وصفات المتنمر والضحية وكيف نواجه التنمر فقط، إنما جعلني أبحث عن الأسباب التي دفعت هذا الصغير ومن مثله لممارسة هذا السلوك العدواني المتعمد والمتكرر.

 

أحيانًا قد يمارس المتنمر عده أشكال للتنمر ولا يكتفي فقط بالإيذاء البدني، إنما قد يتعدى الأمر إلى التوبيخ والتهديد والإغاظة والسباب، ويتعمد فعل ذلك باستمرار، فيُبيت النية ويحدد فريسته ممن هو أضعف منه بدنيًا، ويختار من يجلس دائمًا بفرده الذي لا يستطيع تكوين صداقات، يتعرض للضرب المتكرر ولا يقاوم من يعنفه ولا يستطيع أن يحصل على حقه، يضربه من يضربه ويركله من يركله وهو يصمت دون جدوى.. هكذا يكون الضحية كالطائر مكسور الجناح لا يستطيع فعل شيء.

 

بدأت الندوة بمشهد درامي، فمثَّل كل من المتنمر والضحية بعض المواقف التي تشرح الأشكال المختلفة للتنمر، فمارس المتنمر سلوكه العدواني على الضحية من إيذاء بدني (تمثيل) ثم مثَّل شكلاً آخر كالسخرية من الشكل أو اللون أو الصوت أو اللهجة المختلفة، فيضحك المتنمر ويقهر الضحية. ثم مثَّل المتنمر الصغير شكلاً آخر، وهو عمل مقلب في الضحية من أجل السخرية منه، ويظل الضحية المسكين صامتًا لا يستطيع البوح بالإيذاء الذي يقع عليه، ولا يعرف يقاوم ويدافع عن نفسه. ثم تبادلا الأدوار ولعب المتنمر دور الضحية، فشعر بالمهانة والقسوة التي بشعر بها الضحية.

 

وفي جلسة السيكودراما التي كانت من ضمن فاعليات الندوة، فرَّغ المتنمر نفسيًا عن انفعالاته، وباح بالأسباب التي جعلته كذلك، وهي القسوة في البيت. أب شديد وأم لا تحن عليه. وكان عند آخر أسباب مختلفة، كالغرور بقوته البدنية وأنه يشعر بذاته عندما يرى ضعف من حوله. وهناك آخر يتلقَّى العنف ممن حوله داخل بيته، فيسخرون منه وينعتونه بالفاشل الغبي، لا يسمع كلمة طيبة ويتمنى أن يتلقى جرعة من الحب والحنان. وآخر يتنمر بدافع الغيرة، فيتنمر على من يتفوق عليه دراسيًا إذا كان أضعف منه. وآخرون يقلدون المشاهد الدرامية العنيفة التي غزت كل المنازل من خلال المسلسلات والأفلام، فيحاكي الطفل ما يشاهده، ويكون بطل هذه الأعمال قدوة ومثلاً أعلى لهم، ويأخذون من عباراته الشهيرة لازمة في حواراتهم، بالإضافة إلى برامج المقالب التي أصبحت شيئًا أساسيًا كل عام في رمضان، وبعد انتهاء الحلقات يحاول الصغار وأحيانًا الكبار تقليدها وتكرارها، ولا يدري من يفعل ذلك أنه قد يتنمر على غيره.. فهذه بعض دوافع التنمر، وعندما نقف على السبب يسهل علينا وضع خطة لمواجهة التنمر والقضاء عليه.

 

لا بد من استبدال الأفكار السلبية عن التميز بأنه ليس بالقوة البدنية والتبصير بأضرار التنمر، وتوظيف طاقات هؤلاء المتنمرين بأنشطة إيجابية تكشف قدراتهم وميولهم وتنميتها.

 

التواصل مع الوالدين.. لكي يكون علاجًا سلوكيًا متكاملاً لا بد من تعاون الوالدين مع المدرسة أو النادي أو مراكز أنشطة الأطفال. وحتى ينجحوا في العلاج لا بد من توافر الحب والاحترام المتبادل بين الآباء والأبناء، فلا داعي للنقد السلبي والتنعيت بالصفات السلبية، وبالإضافة إلى الحد من مشاهدة الأعمال الدرامية والألعاب الإلكترونية التي تحتوي على مشاهد عنيفة.

 

وهنا جاء دور الضحية في الحديث، ولم يكن بالسهل. فمن صفات الضحية أنه كتوم يصعب عليه التعبير عن ذاته، ولا يبوح بمشاعره ولا الشكوى إذا تعرض لأذى، ولكن عندما شعر بالأمان تحدث وكسر صمته وذكر الأسباب التي جعلته ضحية. وقال أحدهم إنه لا يستطيع البوح بأنه يتعرض للإيذاء خوفًا من المتنمر، لأنه يتلقى تهديدًا دائمًا منه، وأنه ضعيف البنية لا يقدر أن يدافع عن نفسه. وقال الآخر إنه فاقد التواصل مع أسرته، لا يوجد من يتحدث معه، فالكل مشغول عنه، فلا يوجد من يدافع عنه أو يعلمه أن يدافع عن نفسه، وهناك من يسخرون منه في البيت أيضًا ويطلقون عليه الضعيف، فقبِل أن يصمت بدلاً من أن يحكي لهم ويثبت ضعفه..

 

وأسباب وأسباب. لكل من المتنمر والضحية حكايته، ولكن هناك العديد من الوسائل لتوكيد الذات للضحية وتعليمه كيف يعبر عن نفسه، ويتعلم أن يدافع عن نفسه، ويعزز ثقته بذاته. ولا بد من بناء علاقة قوية بين الآباء والأبناء وفتح حوار دائم بينهم حتى يُعبِّروا عما بداخلهم.

 

انتهت الندوة ووضعنا أيدينا على أسباب ودوافع التنمر، ووضعنا خطة علاج لكل من المتنمر والضحية، ونفذ كلاهما نشاطًا مشتركًا بينهما حتى ينتهي العداء ويتحول إلى صداقة.

“السخرية مش خفة دم.. والقوة مش شطارة”.. لا بد من ترسيخ هذه المفاهيم في آذان أطفالنا.

 

السخرية مش خفة دم.. والقوة مش شطارة

 

المقالة السابقةدروس التنمر
المقالة القادمةالتنمر وأبلة فاطمة
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا