في رواية "صورة دوريان جراي" لأوسكار وايلد، ذهب الشاب الثري الوسيم ذو الملامح البريئة إلى فنان، وطلب منه أن يرسم له صورة، وقام بتعليقها في الصالون في قصره. والحقيقة أن هذا الشاب لم يكن من داخله بريئًا كما تعكس ملامحه، بل كان يمضي في الحياة ضاربًا بكل الأعراف والقوانين والأخلاق عرض الحائط، حتى أنه غدر بالفتاة التي تعلقت به مما دفعها إلى الانتحار. وقد لاحظ هذ الشاب أمرًا غريبًا في اللوحة المعلقة في قصره، وهو أنه كلما ارتكب إثمًا أو جرمًا فقدت ملامحه في الصورة بعض براءتها، حتى تحولت إلى صورة شيطانية، وعندما خاف أن تفضح الصورة حقيقته نقلها من الصالون إلى البدروم.
ربما تكون الفكرة مبالغًا فيها، ولكنها ليست خيالية، فكم من جميل الشكل رآه الناس قبيحًا! وكم من قبيح الشكل -بمعايير المجتمع- رآه من تعامل معه جميلًا! ( اقرأى أيضًا: كل البنات حلوين )
إن حسن الأخلاق ولين الطباع ونقاء القلب هي أمور تنعكس على ملامح الإنسان فتكسوها جمالًا. ربما لا نستطيع أن نحدد مصدره، فملامحه تبدو عادية وجسمه ربما يكون غير متناسق حتى، ولكنه مريح و"يتحب". وقد تجد إنسانًا آخر جميل الملامح والشعر والقوام ولكن ملامحه تخفي وراءها الخبث والاستغلال والحسد. ولنا في الأطفال عبرة، فالطفل عندما تنظر إليه تشعر أنه جميل رغم أنه بدون أسنان وبشعر خفيف وبرقبة مدفوسة... إلخ، ومع كل هذا نراه جميلًا لأن قلبه ما زال نقيًا.
إن جمال الشكل يمكن أن نعتاده، لكن سوء الطباع لا يمكن اعتياده.
فمن ذا الذي اختزل الجمال في شعر حريري وقوام ممشوق وعيون ملونة وبشرة بيضاء؟! إن أجسادنا جزء منا وليست هي كل شيء فينا، فنحن عبارة عن عقل وروح وجسد.
وجمال المظهر ليس بأيدينا دائمًا، فقد يتعرض الإنسان لحادث يسرق جماله أو ببساطة يتأثر بعامل السن. أما جمال الروح فهو خيارنا، ومهما يتعرض الإنسان لضغوط فبإمكانه دائمًا أن يختار كيف يفكر وماذا يفعل.
ولذلك لم يضع الله معايير لجمال الشكل، وإنما وضع معايير لجمال القلب أو جمال الروح. لم يضع الله معايير لجمال الشكل ولكنه خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهذا "الأحسن" ليس واحدًا ثابتًا، فحجم التنوع الذي عليه البشر معجز. وإذا كان الله لم يضع معايير لجمال الشكل، فهل نقوم نحن بوضع معايير صارمة للجمال ومن لا يقابلها فهو قبيح؟!
إن السعي إلى الجمال الشكلي أسهل بكثير من السعي إلى جمال القلب، فجمال القلب يتطلب مجاهدة للنفس أكبر بكثير مما قد يتطلبه جمال الشكل، الذي قد يساير في بعض الأحيان هوى النفس فيكون أسهل! كما أن جمال الشكل ظاهر وسريع النتائج، فأنا أقف أمام المرآة وأضع بعض الماكياج في دقائق أو في نصف ساعة أو حتى ساعة أو أكثر فأرى نفسي جميلة، لكني أستغرق شهورًا بل سنوات بل عمرًا بأكمله لأجمّل قلبي بحب الخير للناس والرضا بما قسمه الله لي وبالنظر إلى الجميل فيّ وفي الناس. ولأن جمال القلب هو الأهم، ولأننا نحن الذين نختار أن تكون قلوبنا جميلة أو قبيحة، فسوف يحاسبنا الله عليها وليس على جمال أجسادنا وصورنا.
وهذا لا يعني أن يهمل الإنسان جمال مظهره، ولكن الاهتمام يختلف عن الهوس. فالاهتمام لا يطغى على جوانب حياتك الأخرى ولا يعكّر صفوك، وفيه قبول للذات. أما الهوس فيستحوذ على اهتمامك بشكل يطغى على باقي جوانب حياتك، يتركك في حالة دائمة من القلق وعدم الرضا، كما يُحمّلك فوق ما تطيقين ماديًا وصحيًا من أجل الوصول إلى معايير معينة.
ولهذا توقفي عن إعطاء مظهرك اهتمامًا أكبر من حجمه، وهذا معناه ألا تربطي قيمتك به، أن تتوقفي عن عقد المقارنات بينك وبين الأخريات، ألا تربطي صورتك الذاتية بشكلك، أن تقبلي نفسك كما هي. توقفي عن اختزال نفسك في فخذيك الممتلئين أو الهالات السوداء الموجودة تحت عينيكِ أو قوامك النحيف جدًا، وابدئي النظر إلى نفسك كإنسانة تتكون من عقل وروح وجسد، انظري إلى ما هو جميل في شخصيتك واسعي إلى تجميلها أكثر وأكثر.