المجموع وحده لا يكفي

1174

نتيجة الثانوية العامة ظهرت، والبيوت هيحصل فيها قلبان، ما بين فرح وهم واكتئاب، وشوية والتنسيق هيفتح وتلاقي ناس كتير متخبطة مش عارفة تكتب إيه، ناس من غير تفكير بتلطع كليات القمة أول حاجة، وناس عايزة تدخل كليات أقل من مجموعها، فتقع في دوامة استخسار المجموع، وناس أخيرة بتدخل أي حاجة على أد اللي جابوه.

 

هي مش موضة بعبع الثانوية العامة دي بطلت؟!

وعفريت كليات القمة ونفسي أشوفك دكتور زي بابا ده انصرف؟!

مش مصدقين؟ طب خليني أحكيلكم 3 حواديت، يمكن يكون لكم في أولي الألباب عظة.

 

حدوتة 1

كان فيه بنت اسمها ياسمين، من صغرها وهي بتحب الكتابة، ونفسها تطلع صحفية، وقت الرغبات دخلت علمي لأنها مبتحبش المواد الأدبية، وكمان تبقى ماسكة العصاية من النص. في ثانية ثانوي كانت بتاكل الكتب أكل فجابت 98.3%، وفي ثالثة ثانوي كانت زهقت من المذاكرة فجابت 96.6%، وقتها باباها قالها إنها خذلته! في الآخر مجموعها الكلى بقى 97.7% وكان ممكن تدخل بيه أي كلية هي عايزاها.

فضلت تفكر، تفكر لحد ما اختزلت اختياراتها بين إعلام – طب (أمراض نفسية وعصبية) – صيدلة – أسنان.

مامتها قالتلها لو دخلتي طب براحتك بس انسي إنك تتخصصي طب نفسي، إنتي عايزة تعالجي مجانين فواحد منهم يقتلك؟! فالنتيجة بقى 3 كليات بدل 4، وبعدين افتكرت إنها مبتعرفش تحفظ، يعني ممكن لو دخلت إعلام متعرفش تمشي فيها، يبقى تدخل حاجة علمية وممكن لما تتخرج تدرس كورسات إضافية تنفعها لو حبت تشتغل في الصحافة.

اتبقى صيدلة وأسنان، صلت استخارة ودخلت صيدلة من نفسها بدون ضغوط من حد، مع الوقت اكتشفت إن حتى الكليات العلمية فيها حفظ، صحيح كانت بتنجح بتقدير لكنها مكانتش بتحب اللي بتذاكره إلا في مواد قليلة، يمكن كل تيرم مادة. بعد 3 سنين في الكلية اتأكدت إنها مش حابة المجال ده ومش عايزة تكمل فيه. 

راحت لأهلها قالتلهم إنها عايزة تحول إعلام، في الأول أهلها رفضوا، بعدها قالولها طب كملي السنتين اللي فاضلينلك يبقى معاكي شهادة وبعدين شوفي عايزة تعملي إيه، وفي الآخر مع الإصرار وافقوا وقالولها براحتك، بس من جواهم كانوا عارفين إنها أجبن من إنها تنفذ كلامها فعلًا. وحصل، وقررت إنها تخلص الكلية لكن متشتغلش بشهادتها لما تتخرج، وتشتغل أي حاجة تانية بتحبها.

بعد ما اتخرجت قعدت 6 شهور رافضة أي شغل يجيلها في مجالها، والكل بيقول عليها مجنونة وحمارة وحد لاقي شغل؟ و5 سنين الكلية تضيعيهم كده! مع الزن ورغبتها في الاستقلال المادي قررت إنها هتشتغل بشهادتها -مؤقتًا- منه تثبت لنفسها إنها مش حابة المجال لا نظري ولا عملي، ومنه يبقى معاها فلوس لحد ما تلاقي الفرصة اللي بتحلم بيها.

بيني وبينكم الشغل مكانش وحش، ومجهوده مش رهيب، وفلوسه مش بطالة، لكن فضلت من جواها حاسة إنها في مكان مش بتاعها، وعلى طول بتتفرج ع الصورة من برة كأنها مش هي البطلة. لحد ما قدمت في معهد الفنون وعملت دبلومة في التذوق الفني، ودرست حاجات بتحبها وتفوقت وكانت بتطلع الأولى ع الدفعة كمان، وكان نفسها تكمل وتعمل ماجستير ودكتوراه، لكن لأنها خريجة كلية عملية اللايحة كانت بتقول مينفعش! شوية ونشرت أول ديون ليها، ساعتها حست إنها بدأت تعيش بجد.

ثم اتجوزت وسابت الشغل، وقررت إنها استحالة ترجع لشغل مبتحبوش، ولا حتى عشان الفلوس، ومن ساعتها وهي بتحاول تشتغل في مجالات بتحبها، لكن لأنها مدرستهاش عمرها ما قدرت تبقى زيها زي اللي دارس، آه بتحاول، بتنجح، وبتنبسط، لكنها عارفة إن فيه حاجة ناقصة ملحقتهاش.

 

حدوتة 2

كان فيه بنت اسمها بسمة، البنت دي كانت شاطرة جدًا، أهلها مكانوش بيندهولها غير بدكتورة بسمة، وأول ما دخلت ثانوية عامة باباها اشترالها عيادة وشطبها، وقت الامتحانات كانت بتخرج مقفلة كل المواد لكن وقت النتيجة جابت 92% وكانت صدمة! هي أكيد مظلومة!

قدمت فعلًا تَظَلُّم وعملوا إعادة تصحيح واكتشفت إن فيه أكتر من مادة فيه أسئلة بالكامل مش متصححة نهائي فمش واخدة درجاتها، وفي الوزارة قالولها منقدرش نعملك حاجة! إعادة التصحيح معناه فقط إعادة تجميع الدرجات، لكن مش إعادة تصحيح الأسئلة. طبعًا البنت دبلت واكتئبت وتجنبت كل أصحابها وحوّلت في سنة تالتة علمي رياضة، وأهلها قالوا قدّر الله وما شاء فعل، وتعوضها في تالتة وتدخل هندسة، وتبقى المهندسة بسمة مش مهم.

في سنة تالتة حصل نفس السيناريو بتاع سنة تانية، ومجموعها نزل كمان للتمانينات، كان شيء عجيب جدًا ملوش أي تفسير غير إن ربنا عايز كده، إحنا أصحابها كلنا دخلنا طب وصيدلة وهندسة، وهي الوحيدة اللي دخلت آداب إنجليزي، والنتيجة إنها كانت كل سنة بتطلع الأولى على دفعتها، واتعينت في الجامعة، ومش بعيد دلوقتي تبقى بتحضر الدكتوراه.

 

حدوتة 3

كان فيه بنت اسمها “إنتي”، البنت دي كانت عارفة هي عايزة تبقى إيه بالظبط، لما ظهرت النتيجة كتبت أول رغبة كلية أحلامها، واتخرجت واشتغلت في الحاجة اللي بتحبها، بعد ما درست اللي بتحبه، وبقت مبسوطة لأنها حتى لما بتواجه صعوبات بتستحمل عشان عارفة إن هو ده اللي عايزة تكَمِّل فيه.

 

نستنتج من كل الحواديت دي إيه؟

إن أسطورة الثانوية العامة والمجموع الكبير وكليات القمة أثبتت فشلها الذريع، المجموع مش كل حاجة، وقيمة الكلية اللي بندخلها اجتماعيًا مش هينفعنا ببصلة لو مفلحناش فيها. وسوق العمل أساسًا في أغلب الأوقات بيكون ملوش أي علاقة باللي درسته جوة الجامعة، فإنت وشطارتك ومجهودك، ومش بعيد واسطتك والكورسات اللي هتاخدها بعد ما تتخرج.

 

فأرجوكم ادرسوا اللي بتحبوه، اعملوا اللي بتحبوه، ملكوش دعوة بشغلانة بابا ونسايب ماما، وارموا كلام الناس ورا ضهركم بعد ما تعقلوه وتشوفوا يناسبكم ولا لأ. والله ظبط معاكم وكلامهم جه على هواكم خلاص ليه لأ، إنما مظبطش متستسلموش ولا تقولوا معلش يا كارولينا هم 4 سنينا.

 

خدوني عبرة ليكم.. مش مهم بتشتغلوا إيه، المهم تبقوا بتحبوا شغلكم، لأن لما تبقوا بتحبوه هتعرفوا تبقوا شاطرين فيه، فحتى لو بدأتم صغيرين مع الوقت هتكبروا. إنما لو درستم حاجة مبتحبوهاش عشان خاطر “هم اللي قالولي” أو “أصلي استخسرت المجموع” هتتخرجوا ع الحركرك وتشتغلوا ع الحركرك ويبقى وقت الشغل بالنسبالكم عَلقة.

وبالتالي عمركم ما هتعرفوا تثبتوا فيه نفسكم. ويا هتفضلوا مكان ما بدأتم، يا هتندموا وتفكروا بعد فترة تغيروا “كاريركم” وتشتغلوا حاجة بتحبوها، ساعتها عمركم ما هتبقوا زي اللي درسها، إلا بمجهود ووقت مُضاعف، وهتبقى كل السنين اللي فاتت راحت ف الكازوزة.

ويا يبقى حظكم حلو وتنجحوا، يا هتفضلوا بتخسروا نفسكم في المجال اللي مضطرين تكملوا فيه بس مش بتحبوه، يا هتتعلقوا بين الناحيتين وتخلص حياتكم، ولا طولتوا بلح الشام ولا عنب اليمن.

المقالة السابقةعين الحسود فيها عود ..وكمنجة
المقالة القادمةعلمني شكرا 3
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا