"منيهم لله اللي بيحبوا الأذية للخلق وبيمشوا في المضرَّة، ربنا ما يريح لهم جتة".. بهذه الكلمات بدأت صديقتي الصعيدية "ناهد" كلامها معي عن قصة زواجها من "حمدي". بالطبع هي ليست "ناهد" وهو ليس "حمدي" لكني أكتبهما كذلك بناء على رغبتها في إخفاء شخصيتها.
في ظروف تقليدية روتينية تزوجت "ناهد" "حمدي" كما تقول التقاليد الصعيدية، شقة بسيطة في الطابق العلوي لبيت الأم والأب، وتزوج معه في نفس البيت أخان له، ولكل منهم شقة منفصلة. "حمدي" هو الابن الأكبر وهو المسؤول عن متابعة مهام الأرض والحرث. وبعد عامين من الزواج بدأت المشكلات في الظهور على السطح.
"أمه الله لا يسامحها مكانتش عتقاني، كل يوم من ساعة ما اتجوزت تأنيب وتقطيم ومرمطة في شغل البيت، كانت بتخلي بناتها كما برنسيسات وهوانم، وجيزان (جوازات) ولادها التنين كانوا يحطوش يدُّهم في حاجة اكمنهم قرايب، وأنا الحيطة المايلة، وفوق ده كله بتحمِّلني إن ولدها مخلفش منيا لحد دلوقت".
تقول "ناهد" إنها كانت تسمع من جيرانها في بيت الزوجية عن أعمال حماتها السحرية، لكنها لم تصدقها يومًا. كانت تسمع عن الأحجبة التي وجدتها إحدى الجارات (وكانت على خلاف مع حماتها) تحت حجر ضخم بجوار مدخل البيت، وتلك الجارة التي ما أن شربت كوبًا من العصير لدى حماة "ناهد" حتى دب خلافٌ عظيم بينها وبين زوجها انتهى بالطلاق. سحر وأعمال وشعوذة لكنها لم تصدق، أو لم ترد أن تصدق.
كانت "ناهد" تحاول أن تقنع زوجها أن يسافرا إلى القاهرة ليُعرَضا على أطباء الذكورة والعقم، وكان يبدو من الرجل أن لا بأس لديه، ولكن هيهات، فهناك أم ترفض أن تعترف حتى بينها وبين نفسها أن ابنها الأكبر يعاني من مشكلة إنجاب وأن عليه أن يطلب المساعدة.
"قلتله أنا محاملاش أمك أكتر من اكده، ولازمن تاخدلي بيت وحدي بعيد عَنِّيها، هي معايزانيش أحبل ولا أخلف منك ومطايقانيش من يوم ما حطيت رجلي في البيت، وهو كان يا دوبه هيوافق، لحد ما أمه لعبت في دماغه وخليته يغير رأيه، وجاتني يوم وقالتلي إنتي فاكرة أن القعدة هنا بمزاجك ياك؟! إنتي ديِّتك كوباية مية أشربهالك وهتلاقي نفسك عايشة وساكتة ومقدراش تتكلمي".. هنا أيقنت "ناهد" أن حماتها لا تعبث معها وأن الجارات كُنّ على حق.
تقول إنها حصَّنت بيتها على قدر استطاعتها، وجعلت القرآن يدور في أركان البيت لا ينقطع. اتبعت الوصفات الشعبية التي تصدُّ السحر عن البيت.. رشت الملح، قرأت المعوذتين على الماء ونثرته في الأركان، فعلت كل ما في وسعها، حتى وافق "حمدي" على الذهاب إلى أطباء القاهرة، ثم البحث عن بيت مُستقل على أن يكون مجاورًا لبيت الأم بالطبع.
عُرض "ناهد" و"حمدي" على أكثر من طبيب لأمراض الذكورة والعُقم، وأجريا أكثر من عملية حمل مجهرية باءت كلها بالفشل، ورغم ذاك لم تتنازل "ناهد" عن حلم البيت المستقل.
"أيام ما عزلنا كنَّها مات لها ميِّت.. لابسة أسود وباكية وبتزغرلي كل زغرة وزغرة، وأنا أقول يا رب عدّي اليومين دولا على خير".
ولأسباب غير مفهومة وغير واضحة لم يأتِ الخير أبدًا في بيت "ناهد" الجديد.. مذ انتقلا إليه أصبح "حمدي" يقوم من نومه ليلاً يصرخ ويبكي و"يشنق" على حد قول "ناهد"، يمسكها من ذراعها بقوة ويصرخ بوجهها ويبكي حتى ينام، ويستيقظ صباحًا بلا أي أثر لما حدث في الليل، ثم أصبح يُصرع نهارًا وليلاً وأمام الناس وأثناء عمله في الأرض وبينما يشتري حاجياته من السوق.
"وفجأة بقى يتقلب عليّ ويخانقني من غير سبب، مفيش حاجة أعملها بتلدّ عليه ولا حاجة أقولها تروَّق باله، البيت بقى كيف القبر، دايمًا ساكتين يا بنتعارك.. فيه واحد قريبي جمع رجالة العيلة عشان يشوفوا حل وقال يا جماعة العيال دول كنّنهم معمولهم حاجة وحيشة لا قدر الله، إحنا نجتمع يوم الخميس بعد العشا ونقرا عدِّية يس على اللي آذاهم".
وتقول "ناهد" إنه قبل الموعد المحدد للقاء رجال العائلة اتصل أحدهم بقريبها صاحب الاقتراح، رقم غريب لا يعرف صاحبه، وإذا بصاحب الرقم يقول دون أن يُعرِّف نفسه:
- بلاش تقروا عديِّة يس على اللي عمل الحاجة وأنا هفكها بمعرفتي.
- طيب مين حضرتك؟
- ولا مين ولا بين، متقروش العدية وأنا هفك اللي اتعمل قبل ليلة الجمعة، ومكانش الراجل هو المقصود بيه لكن نقول إيه؟ اتقلبت عليه، كيف منعرفش!
وانغلق الهاتف دون أي معلومة عن صاحب الاتصال.
كان من الممكن أن تنتهي الحكاية عند ذاك و"يتفك العمل"، وتعيش "ناهد" مع "حمدي" حياة هادئة، لكنه من الصعب على من مرَّت بهذه الحادثة أن تُفضِّل الاستمرار بحياة مهددة بكوب ماء مسحور وسعادة مرهونة بفك عمل. أصرَّت "ناهد" على تطليقها من زوجها وحبيبها، "ابن الساحرة" كما تصفه في مزاحها، ولا تجد توصيفًا لحكايتها إلا أن السحر انقلب على الساحر، وبدلاً من أن تصيبها حماتها بذلك السهم أصابت ابنها.
لقراءة مقال : العهدة ع الراوي (1): رَجُل التروماي