العيب فيمن يرون الجنس عيبًا

705

هل فكرت لمرة واحدة في طبيعة الأشياء التي نخفيها بعيدًا عن الأعين في مستودعات منازلنا؟ وما السبب الذي أودى بها إلى هذا المصير المجهول لتكتسي بالغبار، وتبلى عظامها في صمت، دون أن تُحدِث -حتى- ذلك الصوت المسموع لاحتضار الأشياء قبل موتها؟

 

سأحدِّثك في هذه المساحة الرحبة عن موضوع كنت -ككثيرين ممن حولي- أعتبره شائكًا، حتى كشف لي مصباح التجربة أنه ليس كذلك، سنتحدث عن “الحياة الجنسية”، وسأخبرك على الفور، عن العلاقة بينها وبين المقدمة سالفة السرد، ولكن قبل أن نمضي معًا: إذا كنت ممن لا زالوا يعتبرون هذا الأمر محض خزي وعيب أنصحك ألا تسمح لـ”إسفنجة” خبراتك بأن تتشرب شيئًا لم تختبره بنفسها، ولا حتى سطوري هذه، وفي المقابل أعدك ألا أستخدم مصطلح “جنس”، الذي تتحسس منه، أكثر مما يجب.

 

نعود مرة أخرى للأشياء غير المهمة، التي نحتفظ بها في مستودعات منازلنا، والتي غالبًا تنازعنا رغبة ما في عدم التخلص منها، رغم تسليمنا بعدم جدواها.

 

أظننا كمجتمع شرقي، يردد دائمًا كونه محافظًا، نتعامل مع “الجنس” من المنطلق ذاته، وهو الأمر الذي يجعل الفتاة الراشدة في عمر الـ21 عامًا مثلاً، في حاجة لطنين “الوشوشة”، الذي يُحدِثه صوت أمها بينما تُحدِّثها عن ما سيحدث ليلة الزفاف، وكأنها تتحدث عن سر حربي عصيّ على البوح، أو اكتشاف علمي جاء بعد قرون وقرون من البحث والتجربة.

 

شخصيًا لا أُفضِّل الاستعانة بالخبرات المُعلّبة لإنجاح علاقات يمكن أن تفسد، فقط لأن تجربة الراوي كانت مُنتهية الصلاحية مثلاً، تمامًا كمن ينقل إليك دمًا لم يتم فحصه وبيان مدى صلاحيته من عدمها، عليه؛ رفضت بملء رغبتي أن يعاملني أحدهم -حتى وإن كانت العزيزة أمي- بوصفي دلوًا فارغًا يُملأ بما لا يشتهي، إلا أنني -مخطِئة- لم أسعَ في المقابل لملء ما حافظت عليه نظيفًا بقراءات واعية، بمعنى أنني اكتفيت بالخواء بدلاً من الامتلاء بخبرات فاسدة ليست لي، لكني رغم هذا الخطأ لا زلت سعيدة بقراري، لأني أؤمن أن “الحياة الجنسية” للأشخاص البالغين، هي أحد أبرز معالم شخصياتهم الراشدة، كبصمة الإبهام مثلاً، هل يمتلك اثنان على هذا الكوكب البصمة ذاتها؟!

 

إذًا لماذا تقبل بملء إرادتك أن يشوّه أحدهم معالم بصمتك الفطرية، ليضع بصماته، بصدقها وادعائها.. حلوها ومرها على جزء مفصلي كهذا، من هيكل حياتك الناشئة؟!

 

وإذا كانت نظرة المجتمع ممثلاً في مأمور القسم والشرطي وغيرهما ممن تلتقيهم زوجة أحد السجناء، الذي سُمح له بخلوة شرعية، بينما هي في طريقها إليه، نظرة غائرة، مجردة من احترام الخصوصية وتقدير الفطرة الإنسانية، في ظل مباركة الله وكفل القانون لها، فمن المؤكد أن العيب في المجتمع وأعرافه وأفكاره، ولا علاقة للدين والنسق العام بهذا، بمعنى أوضح: العيب فيمن يرون “الجنس” عيبًا.

 

الحقيقة أن أكثر ما أكرهه في نظرة الشرقيين لـ”الجنس”، هو تلك الفجوة المتناقضة عظيمة المدى، بين نظرتهم الدونية له باعتباره موطنًا للخزي، ورغبتهم المُلحَّة فيه بحكم الفطرة، حيث تعتلي مصر قمة الهرم العربي في تداول المواد الإباحية على الشبكة العنكبوتية، وتعرُّض النساء للتحرش في الشوارع، لكن من غير المقبول أن يتم تداول مقال كهذا وقد قامت بطرحه “بنت”.

 

كما لم أفهم بعد لِمَ يُعتبر الأهل والأصدقاء والمعارف، أنفسهم جزءًا من هذا الشأن الخاص جدًا! سواء بإسداء النصائح، أو المنع والإباحة أو بالسؤال من قريب كان أو بعيد، الذي يعتبره كلا الزوجين تنبيهًا بخطورة الوضع، يستوجب التعجل.

 

وإذا كانت أم العروس والعريس يعتبران لون طلاء “أوضة الأطفال” وهيئة أثاثها شأنًا يخص العروسين وحدهما، يجب أن يُترَك لهما حرية الاختيار فيه، لئلا يتسبب ذلك في مشكلة مستقبلية ما.. لِمَ لا تعتبران “الجنس” كذلك؟ شأنًا خاصًا، يبتُّ الزوجان فيه عقب زواجهما، بالطريقة والمدى الزمني الذي يختارانه، تمامًا مثل غرفة الأطفال، التي استخدمتها هنا كمثال صغير وسط بحر من الأمثلة الكثيرة والمتكاثرة، التي أظن أن معظمها أتفه من أن يُكرَّم بالنقاش، لكنها تُكرم جميعًا، ويظل ذلك المغضوب عليه “الجنس” منفيًا في مستودع المنزل رفقة الأشياء غير المهمة، التي لولا غضاضة ما في أنفسنا لرميناها شر رمية.

 

لا يُناقش “الجنس”، من قِبَل الزوجين بعد الزفاف في غالبية الحالات، لكن أي مشكلة فيه، تملأ نقاشاتها السمع والبصر على مستويات أكثر اتساعًا من العائلات والأقارب والأصدقاء، وهذه كارثة بحد ذاتها يطول الحديث فيها.

 

وعمومًا.. إذا كان السر وراء تعامل البعض مع قضية “الجنس” بوصفه “لهو خفي” هو الحياء، الذي هو أحد شعب الإيمان، فدعني أذكر لهم على سبيل المثال لا الحصر عددًا من المطبوعات التي ألَّفها الإمام المصري جلال الدين السيوطي، الذي ألف بحسب “ابن إياس” في كتاب “تاريخ مصر” ما يقرب من 600 مصنف، تنوعت ما بين مؤلفات في الدين والتصوف واللغة والنحو والصرف والبيان وغيرها.

 

هذا الإمام الجليل الذي ألَّف أكثر من مؤلَّف في علم “الجنس” وعلاقة الرجل بالمرأة مثل “نواضر الأيك” و”شقائق الأترج في رقائق الغنج”، و”نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسمر”، ورغم أن عمر بعض مؤلفاته يمتد لأكثر من 400 سنة، لكنه آثر استخدام لغة مباشرة، خالية من الغموض في وصف العملية الجنسية ومتعلقاتها، ربما لنفطن بعد كل هذه السنين لماهية الجنس وخصوصيته، وأنه ليس بعيب نتحاشى العلم به، حتى وإن استدعت الضرورة، لكن العيب المستديم كنقطة زيت في بحيرة، هو التعامل مع طرفيه باعتبارهما ضالين في طريق، يصف أحدهم، لهما الوجهة على عجلة من أمره، غير مكترث ببلوغهما إياها أو ضياعها في بحر من التية.

المقالة السابقةكيفية الاجابة على اسئلة الاطفال المحرجة
المقالة القادمةالزواج وقميص النوم الأحمر
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا