الصحاب رزق

1457

أتذكر جيدًا حديث والدي وهو يخبرني أن صديقه “مستر حلمي طوبة”، صديقه الأقرب القادر على إضحاكه وهو في أشد حالات عصبيته، حتى أن والدتي تناكفه أحيانًا وهو مستاء من أمر ما وتطالبه أن يبتسم وهي تردد “أجيبلك حلمي طوبة يعني؟!” هذا الـ”حلمي” علاقتي به كانت زيارة كل جمعة، حيث يجلس مع أبي في الصالون ثم يناديني ليُدرِّس لي اللغة الإنجليزية ويحدثني بلهجة عربية مكسرة، حتى الآن لا أعلم هل يحمل جنسية أخرى أم لا.

 

ظل “حلمي طوبة” وأنا طفلة الرجل الذي لا أجد له تفسيرًا في معجمي، فهو أول المهرولين إلى أبي في كل الأزمات أو المناسبات الجيدة التي تمر على بيتنا الصغير، وحين احْتاج والدي في إحدى العمليات إلى دم كان المتبرع الوحيد هو أيضًا، وكأنها معادلة بديهية، وهو نفسه الرجل الذي بكاه أبي وحزن على فراقه حزنًا تجاوز حزنه على أخته الكبرى. وقتها سألت أمي لماذا حزن أبي كل هذا الحزن، وكأنه من دمه، في حين لم يبكِ على عمتي؟ فأخبرتني “كان أكتر من أخ.. كان صاحب عمره”.

 

انتبهت للفكرة بعدما كبرت وأصبحت على صلة بالكثيرين، لكنه ظل يطمئن فقط للقليل، انتبهت في 2017 تحديدًا حين مررت بظروف مؤلمة فوجدت في أصدقاء الطريق رحمة وودًا ولطفًا وطبطبة وأمانًا وسكنًا.

 

يردد ذهني دعاء أمي لي الذي لم أفهمه إلا بعدما خرجت من بيت أسرتي للحياة الكبيرة: “ربنا يجعلك في كل طريق رفيق”، الرفيق هو رزق الله لمن يمن عليه بالنور، أتذكر صديقتي التي عنَّفتني في إحدى المرات لأنني لا أنتبه إلا لدائرة أحزاني التي لا أخرج منها عن قصد مني، وبقدر ما كان كلامها لي قاسيًا وأبكاني بشدة وظللت مستيقظة طوال الليل، كان حقيقة أنارت لي الطريق، ودون حديثها لاعتدت ما يؤذيني أنا وابنتي، وبعدها في الصباح أخبرتني أنها ظلت تحلم بي ليلاً أنظر إليها بحزن وحاولت أن تخبرني نيتها فيما قالته، لحظتها وجدتني أحتضنها وأنا يدور بنفسي حوار جديد، وكأنني أكتشف زاوية جديدة في الحياة “صاحبك مرايتك الحقيقية”.

 

أما صديقاتي الأخريات فجميعهن لهن معي مواقف عديدة لا أنساها، تلك التي صاحبتني في فترة صعبة أيضًا أعتبرها فترة تشكيل وعي، رافقتني في كل خطواتي، تعلَّمنا معًا وقرأنا معًا، ونجحنا معًا، كانت أمانًا يجعلني أذهب لمجالستها يوم الإجازة أيضًا من أجل عصف ذهني وروحي يشحن طاقتي لرحلة جديدة من الأيام، وصديقتي التي تهاتفني فتجدني حزينة فتقفز لمقابلتي وقلب اليوم رأسًا على عقب وطرح الحلول لكل ما يهمني.

 

مشهد آخر لنهار داخلي..

إحدى صديقاتي تستيقظ لتخبرني بكل ما يمكن أن يكون محفزًا للحياة في رسالة إلكترونية مبهجة، ويكتمل المشهد حين أقابلها في العمل، فتحتضنني وتقترح عليَّ أن نسير معًا في أحد الأماكن القريبة من قلبي، فأعود إلى البيت آمنة.. كثيرات هن كثيرات.

 

اليوم تنتهي 2017 وأنا ممتنة لهن جميعًا، أمتن لما تركنه من أثر في نفسي، أمتن لأرواحهن التي أثقلتها بحكي ودموع وأفكار مجنونة، كما أمتن للحياة رغم كل شيء لما لهداياها في طريقي من رفقاء في حضرتهم أجد نفسي، أبتسم بل أضحك من قلبي، أشاورهم في أموري، يسمحون لي بالوجود في حياتهم، فأتجاوز دور المتلقي للفاعل والمطمئن لأهميته في نفوس ودودة.

 

تنتهي 2017 وأنا مطمئنة بكل تلك الوجوه، المستعدة لجبران خاطرك دون مقابل، هي فقط تهتم لأمرك وتراك قريبًا من القلب دون حول منك ولا قوة، الذين يأتون مبللين بمحبة شاملة لعيوبك، يمنحونك لهجة الصمود على كراسي الحياة.

 

 

المقالة السابقة2017.. عام السائق المخبول وأنا
المقالة القادمةالدنيا لسة فيها حاجات مبنعرفش نشرحها
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا