عزيزتي هيفاء..
حسنًا.. أنا أريد أن أفعل مثل كاثلين كيلي، وأخبرك مجموعة من الأشياء البسيطة العشوائية.. كأنك تعرفينني أصلاً وتريدين بعض التفاصيل فقط كي تكتمل الصورة لا أكثر.
ابتسمت عندما علمت أنك كنتِ في دبي، وأنك تظنين أنني في القارة المجاورة.. أنا هنا بجانبك، في الشارقة.. وأعمل في دبي أيضًا، ربما مررت بجانبك أثناء وجودك هنا ولم تعرفيني.. أبتسم في سري لفكرة أننا جارتان، ربما إن مللنا الكتابة أخذت إحدانا أول طائرة رخيصة وتقابلنا في كافيه عندك أو عندي لنتحدث بأريحية أكثر، أو ربما نفتح المندل في كتاب ويأخذنا الاستطراد للعديد من الحكايات.. بالمناسبة أنا إحدى ملكات الاستطراد أيضًا.. سنتنافس على العرش بعد عدة رسائل ونضحك بشدة.
هل تعرفين ما هو فتح المندل؟ نفتح الكتب بشكل عشوائي على أي صفحة ثم تقع أعيننا على أي سطر فنقرؤه.. فيصبح هذا هو نصيبنا من الكتاب.. أنا لا أفرط في تأدية هذا الطقس أبدًا عند شراء كتب جديدة.. وإذا وجدت جملاً ملهمة، أشعر بارتياح لأنني اخترت رفقة جيدة تناسبني.. وصدقيني يا عزيزتي الأشياء التي تناسبني ليست كثيرة، فأنا صعبة المراس قليلاً.
بمناسبة الطقوس، سأخبرك سرًا.. أنا لا أحب القهوة. أنا آسفة حقًا، فأنا دلوعة، أحب تنويعاتها من لاتيه وكابتشينو وغير ذلك، ولكنني لا أشربها وحدها.. إنما أعشق رائحتها من كل قلبي وأشعر بانتماء لكل محبيها، فهم محبو الطقوس ودراويش التفاصيل الذين أجد معهم رابطًا مشتركًا بشكل ما أو بآخر.. لذا أسعدني حبك لها، إنما أردت أن أوضح الأمر حتى نتفق من الآن على المشاريب التي سنطلبها في جلسة الكافيه التخيلية إياها.. ستطلبين قهوتك وسأطلب لاتيه كراميل (بس زوّد اللبن) وكعكات شهية تعطي كل منا قطعة منها للأخرى كي تتذوقها.
أعددت ورقة بها بعض التفاصيل التي أريد أن أحكيها لك، ولكنني لا أرغب في الالتزام بها الآن.. هذا يشبهني حقًا.. "المُودِيّة" والتقلب والرغبة في الأشياء، ثم عدم الرغبة فيها -دون سبب مقنع للحالتين- هذه هي الصفات التي أكافح معها يوميًا فقط ليمر اليوم بسلام.. هل تعرفين؟ استيقظت مارية ابنتي مرتين وأنا أكتب هذه الكلمات التي أسرق وقت كتابتها الآن من نومي.. أتوقف كل بضعة كلمات وأنصت للفراغ ويهيأ لي أنها تبكي بصوت منخفض ولا أسمعها.. أفقد تركيزي وتزداد حرقة عيني.. وأشعر بمزيج من الإنهاك والامتنان في نفس الوقت.. فأنا برغم كل شيء لم أتوقف عن أن أكون أشياءً أخرى بجانب كوني أمًا، صحيح أن ذلك يشعرني بالذنب وأفكر دائمًا أنني أفعل ذلك على حسابها.. ولكنني أحاول أن أسامح نفسي، وأسامح تضحيات الأمومة الرهيبة التي ضلت طريقها إليّ.. فأنا لا أشعر أن شيئًا تغير بداخلي لأصبح كائنًا نورانيًا مخصصًا للعطاء، ما زلت كما أنا.. بأنانيتي وفوضويتي ومحاولاتي اللا نهائية لأصبح نسخة أفضل مني -الفاشلة غالبًا-.. فقط ازداد وزني وتهدل جسدي قليلاً، وازدادت الهالات السوداء تحت عيني.
ولكنني لا أستطيع إنكار الدهشة التي تمنحني إياها تلك الصغيرة الشقية بشكل يومي، الدهشة أنها تكبر بالفعل، وأنها تشبهني بالفعل.. وأن حركاتي وكلماتي تنطبع في مخيلتها وتأتيني بها واحدة تلو الأخرى على مدار الأيام.. فأضحك من قلبي. تمت مارية هذا الشهر عامًا وشهرين.. لا أصدق كيف مروا! فقط ستر الله هو ما جعل مرور هذه الفترة الصعبة أمرًا ممكنًا.
بالمناسبة.. عيد زواجي اقترب أيضًا، سنتم بعد 10 أيام عامين بالتمام والكمال.. لو كان زواجنا طفلاً فهو الآن في مبتدأ الإدراك، أصبحت التجربة تفيده، يمكنه تذكرها في أوقات لاحقة ولم يعد يبكي دون سبب.. أصبحت له شخصية ولكنه ما زال يضطرب كي يعبر عنها.
أنتظر بشغف المفاجأة التي أعدها لي زوجي في عيد زواجنا، مر عيد ميلادي في ظروف صعبة ولم نتمكن من الاحتفال، لذلك أعلم أنه أعد شيئًا لعيد الزواج. اشترطت عليه أن يشتري لي فستانًا كي أحضر به مفاجأته. ضحك من طمعي وما زلت لا أعلم مصير هذا الفستان التخيلي، ولكنني أحمل هم ما يمكن أن أرتديه فعلاً.
أمتن كثيرًا إلى الله لأنه منحني رجلاً طيبًا.. هو صعب المراس مثلي في أحيان كثيرة ولكنه طيب حقًا، وطريقة مصالحته المثلى هي أن أعد له كوب شاي وأتركه ليقول الكلمتين المحشورتين في زوره دون أن أعلق تعليقًا مستفزًا كعادتي.. اممممم يبدو الأمر سلسًا وأنا أكتبه هكذا ولكنه في الواقع أصعب قليلاً، وبخاصة إن كانت أسباب الخلاف من النوع الذي لن يتغير.. هو كائن بيتوتي وأنا "مهيبرة" كما يقولون.. أشعر دائمًا أن بإمكانه فعل المزيد وأن هذه ليست حدود طاقته، ولكنني في الواقع أحتاج من وقت لآخر أن يحمل عني الأعباء كلها مؤقتًا لألتقط أنفاسي، ولن أمانع أن أستعيد أعبائي بعدها من جديد.
سمعت "بعيد عنك حياتي عذاب" آتية من بقعة مجهولة الآن، واكتشفت أنها صادرة عن هاتفه.. طلبت إليه أن يعلّي الصوت قليلاً وابتهل كلانا ألا تصحو مارية واستمر الشدو.. ربما سأخبرك يومًا عن اكتشافي لأم كلثوم وقدرتها العجيبة على تغيير حالتي المزاجية، نفس التوقيت تقريبًا الذي اكتشفت فيه حبي لموسيقى السوفت روك، وما يمكن للجيتار الكهربائي أن يصدر من جمال، ذاك الذي كنت أظنه طنينًا مزعجًا.. أصبح شيئًا ملهمًا يخلصني من الغم ويمنحني الحرية.
يوم آخر بالتأكيد.. لأن مارية استيقظت مجددًا.
أرجوكِ أن تداومي على الكتابة لنفسك ولكتابك القادم، أرسلي لي خطتك الكتابية وفقرات كتبتها إن أمكن.. سيشعرك أخذ خطوات فيها بسعادة تختلف كثيرًا عن إنجاز مهمات العمل.. تبقى الكتابة الحرة التي تقومين بها لأنك تحبينها فقط، هي الأصل والأساس.
ملحوظة: اشتريت اليوم برتقالاً طيبًا وأردت أن أخبرك أن البرتقالة الطيبة يكون جلدها ناعمًا ورائحتها ظاهرة، وبالضغط عليها بإصبعين يمكن استشعار طراوتها المعتدلة.
ملحوظة 2: ضمي قطتك بالنيابة عني، كان عندي قطة اسمها دوكة، سأخبرك عنها لاحقًا.
ملحوظة 3: ألف سلامة على ماما! أتمنى أن تكون أفضل الآن.
خالص تحياتي وتمنياتي بدفء مفاجئ.
رسالة هيفاء: الرياض_الشارقة: الرياض - ٥ مساء