منذ صغري أسمع عبارات المدح مثل "ست بـ100 راجل"، " دي بتتصرف ولا كأنها أجدع راجل"، أو "دي عملت الشيء الفلانى زيها زي الراجل بالظبط".. لم أحب تلك العبارات أبدًا، فالمقارنة ظالمة للنساء في مجتمعنا ولا داعي لها، حتى تمنيت في إحدى المرات أن يكون هناك كوكب للنساء فقط، يعترف بأن المرأة لديها من الإمكانيات والقدرات ما يجعلها تحقق إنجازات كثيرة وعظيمة دون مقارنة ذلك بالرجال.
مؤخرًا رأيت نماذج نسائية ملهمة، استطاعت فيها المرأة المصرية بالفعل أن تكون بطلة تصنع تأثيرًا فيما حولها، بل وتقود الرجال لتحقيق الإنجازات، حتى لو كانت بسيطة، مهما كان السن أو المستوى الاجتماعي أو التعليمي، فتنهي أسطورة "ست بميت راجل" السائدة في المجتمع، وأدرك وقتها أننا لا نحتاج إلى كوكب خاص بالنساء، بل نحتاج فقط لتقديرها والاعتراف بإمكانياتها وأن نسلط الضوء عليها.
***
"فكيهة طلبة عطية".. الأمانة والإيثار في ثوب امرأة مصرية بسيطة

هي سيدة بسيطة جدًا في ملبسها وحياتها، فظروفها المادية صعبة لدرجة أنها لا تستطيع دفع المال لإجراء عملية تركيب عدسة في عينها لكي ترى العالم، ولكنها عندما وجدت مبلغًا قدره 60 ألف جنيه في الشارع، رفضت أن تأخذه بالرغم من حاجتها الشديدة، وبالرغم من أنها بحثت كثيرًا عن صاحب المال دون جدوى.
فطلبت من زوج ابنتها نشر "بوست" على فيسبوك، وبالفعل وصل إليها صاحب المال والذي كان عاملاً في السكة الحديد، أما المال فكان قرضًا من البنك حصل عليه لكي يعالج ابنه، وبعد أن قدم لها الرجل "الأمارة" عرض عليها نسبة 10% من المال كما هو متعارف، ولكن "فكيهة" رفضت بعد أن علمت ظروفه الصعبة وفضلت أن يأخذ المال كاملاً.
***
"عيدة محمود".. من راعية الغنم إلى تلميذة فصيحة تلقي الشعر في التليفزيون


"عيدة محمود أحمد" طفلة صغيرة تتسم بجرأة وعفوية وقوة شخصية، قررت أن مستقبلها يتلخص في كلمة واحدة هي التعليم، وأنها لن تقبل بأن تصبح راعية غنم كما اختار لها والدها، فبحثت -وهي الهزيلة الجسد الصغيرة البنيان- عن مدرسة تلتحق بها، وأمام بكائها وافق والدها رغم فقر عائلتها، ولم تكن المسافة البعيدة بين بيتها والمدرسة -في مركز إسنا بمدينة الأقصر- سببًا يمنعها من الاستمرار في المدرسة، ولكنه والدها الذي كان لا يرى في التعليم جدوى لابنته، فكان يجعلها تذهب يومًا واحدًا إلى المدرسة، وباقي الأسبوع في رعاية الأغنام.
فطلبت من مُدرستين في مدارس مصر الخير أن تتوسطا لدى والدها، ولكنه فعل كما في السابق، وافق بشكل مبدئي ثم جعل الأولوية لرعاية لأغنام، لتختار "عيدة" هذه المرة الاحتيال عليه، فادَّعت المرض وبدأت تذهب إلى المدرسة يوميًا دون علمه -عمرها وقتها كان فقط 7 سنوات- وبعد أن رأى درجاتها المرتفعة وسعة تحصيلها رضخ أبوها أخيرًا لها، وقرر أن تستمر في التعليم وتترك رعاية الغنم، حتى وصلت إلى عامها الخامس الابتدائي وظهرت على شاشات التليفزيون وهي تتحدث بفصاحة وقوة عقل بأن سلاح الفتاة هو التعليم وعليها فعل أي شيء وكل شيء للحصول عليه.
***
إسراء البابلي.. أول طبيبة صماء في العالم العربي


"إسراء البابلي" قدمت درسًا للجميع بأن ذوي الاحتياجات الخاصة قادرون على اقتحام أي مجال والنجاح فيه مثل الأسوياء، بعد حصولها على درجة البكالوريس في طب الفم والأسنان وافتتاح أول عيادة خاصة بها في مدينة الشروق، وهي المصابة بفقدان السمع، لتصبح أول طبيبة أسنان صماء في العالم العربي كله.
فـ"إسراء" وُلِدَت صمَّاء الأذنين، قرر والدها تعليمها لغة التخاطب كغيرها من الأطفال رافضًا لغة الإشارة تمامًا، وسافرت "إسراء" إلى البحرين ودرست هناك حتى حصلت على الثانوية العامة بمجموع 94%، بعد أن تلقت الرعاية التي جعلتها قادرة على الاندماج في المجتمع، لتعود إلى مصر وتختار الالتحاق بكلية طب الأسنان، ورغم الظروف الصعبة التي واجهتها من عدم تقبل البعض لها أو السخرية منها لكنها لم تستسلم، وأنهت دراستها بنجاح، بل وبدأت في دراسة اللغة الإنجليزية، لتصبح في النهاية أول طبيبة أسنان صماء في العالم العربىي.
***
يارا علاء.. تنقذ شابًا من الموت بشجاعتها


"يارا علاء" فتاة ضربت مثلاً في الشجاعة والنخوة عندما أنقذت شابًا سوريًّا من الخطف ومصير مجهول بالقتل أو الاختفاء، فسرعة البديهة لديها والذكاء جعلها تلاحظ وجود ملثم يقود سيارة وشاب مقيد اليدين يستغيث بها، لتدفع أسرتها بالكامل لمطاردة الخاطفين وإنقاذ الشاب عبر شوارع القاهرة، دون خوف على حياتها أو حياة والدتها وأخيها الرضيع الذي لم يتجاوز الـ4 أشهر، بل أصرت على استخدام الهاتف المحمول خلال المطاردة لتصوير ما يحدث كدليل تُقدِّمه للشرطة لو أفلت المجرمون، فهنا يخجل الوصف "ست بـ100 راجل" أمام شجاعتها وقوتها.
***
"سارة وسناء وإيمان".. عالمات وضعن مصر على خارطة العالم من جديد


ثلاث فتيات حققن المستحيل ووضعن مصر على خارطة العلم من جديد، هن "سارة صابر" و"سناء السيد"، و"إيمان عبد العزيز" بعد اكتشافهن حفرية ديناصور ضخم في واحة الداخلة بمحافظة الوادي الجديد بصحراء مصر الغربية، قررن تحدي المجتمع والعادات والتقاليد من أجل متابعة حلمهن بتحقيق اكتشاف علمي، لم يؤمن به أحد سوى رئيسهن الدكتور "شريف سلام" مدير مركز الحفريات بجامعة المنصورة.
وبدأن رحلة البحث منذ عام 2010 في أجواء خالية من أي تشجيع أو دعم، فتعرضن لمضايقات من الأهالي الذين مرة اتهموهن بأنهن يبحثن عن الآثار، ومرة أخرى دمروا عينات البحث الخاصة بهن، وأقمن في وسط الصحراء وحدهن لمدة 21 يومًا في ظروف جوية قاسية، بعد جهد مضنٍ في إقناع أهلهن، وبالفعل صار "منصوراسوس" هو اسم الديناصور -نسبة إلى جامعة المنصورة- الذي اكتُشِف هو المكافأة التي حصلن عليها والتي أحدثت دويًا هائلاً في الأوساط العلمية العالمية، ليثبتن أن النجاحات العلمية ليست حكرًا على الرجال فقط.
***
وفي النهاية تلك النماذج تبدو مجرد نقطة في بحر أمام القصص الحقيقية التي أراها وأسمع عنها يوميًا، مثل الست "صيصة" الصعيدية التي تنكرت في زي الرجال 40 عامًا لتنفق على ابنتها الوحيدة.

أو "مروة حسين" بائعة المناديل و الشهيرة بـ"فتاة الماراثون" التي فازت بالمركز الأول في ماراثون مجدى يعقوب، رغم فقرها الشديد وسنها الذي لم يتجاوز 11 عامًا.


وغيرهن من أبطال نساء مصريات تخطين كل العواقب وتحدين العادات والتقاليد وحققن إنجازاتهن دون الحاجة إلى كوكب خاص بالنساء.