"هشش.. أيوه كده".
تقولها بصوت هامس لنفسها، وعلى وجهها يظهر شبح ابتسامة بينما تقوم بإغلاق باب غرفتها بإحكام وهدوء كي لا يشعر بها أحد. تظهر ملامح الابتسامة بشكل واضح، هي ابتسامة انتصار، يعقبها تنهيدة وكلمة واحدة "هوووف.. وأخيرًا".
تفتح جهاز اللاب توب بسرعة. تتأكد من وجود إنترنت، وبعد البحث عن قناة اليوتيوب التي سجلتها أمس، تصل أخيرًا إلى سلسلة فيديوهات باسم "زومبا"، تضغط على زر التشغيل، تنطلق الموسيقى عالية صاخبة. تتوقف للحظات في وضع دهشة.. "ما هذا الذي أفعله والناس نيام والساعة لم تتخطَ السابعة صباحًا؟"، ولكنها سرعان ما تهز رأسها محاوِلة إسكات هذا الصوت بداخلها، تنجح في ذلك، فما هي إلا لحظات وتنطلق راقصة في أرجاء غرفتها الصغيرة كالفراشة تمارس هوايتها ببساطة لم تعتقد أنها موجودة يومًا ما.
كانت هذه حالتي مع رقصة "الزومبا" التي أحببتها كثيرًا ورأيت فيها خروجًا عن الروتين اليومي القاتل الذي نحبس أنفسنا بداخله، فنبدو كأننا ندور في حلقة خالية من الحياة.
على الرغم من بساطة "الزومبا"، فإن هناك الكثير التفاصيل التي يمكن أن يعلمها المرء عنها، والتي قد تدهشه، فهي ليست مجرد تمرين رياضي يتم فرضه داخل الصالات الرياضية وحتى الأندية من أجل فقدان الوزن، أو مجرد نشاط يتم ممارسته لكي نخرج من حالة الكآبة التي قد تسيطر علينا. في الحقيقة كل ذلك يبدو صحيحًا ويشعر به أي ممارس لتلك الرقصة، التي جمعت العالم حولها. ولكن رقصة "الزومبا" هي مجموعة من أشهر حركات الرقص اللاتينية مثل السالسا، المامبو، ميرنجو، السامبا. أي أن ما نفعله في بيوتنا أو حتى في الأندية الموجودة بالقرب من شارعنا هي رقصة لاتينية انتقلت إلينا عبر الكثير والكثير من قنوات الاتصال، لنمارس بنشاط وخفة "الزومبا".
المرة الأولى التي رأيت فيها رقصة "الزومبا" بعيدًا عن شاشات التليفزيون، كانت في أحد الصالات الرياضية في لبنان، كنت جالسة على أحد المقاعد الخاصة بالاستراحة، بينما ارتسمت على وجهي علامات الدهشة من الحركات السريعة للمشاركين في التمرين الذي كنت أراه من خلف الزجاج، والموسيقى الصاخبة التي يرقص الجميع عليها بحماس، بينما المدرب والمدربة تبدو على وجوههم علامات أقل ما توصف بأنها فرح أو سعادة لا أدري مصدرها، ولكن مجرد رؤيتها كانت كفيلة بأن تُدخِل في روحي نوعًا من المرح.
بعد رقص الزومبا لمدة نصف ساعة، رغم الشعور بالتعب من الحركات المجهدة لكن النتيجة تكون مذهلة من تلك الرقصة التي ابتكرها مصمم الرقص الكولومبي "ألبرتو بيريز" عام 1990، فبحسب الإحصاءات الرياضية يمكن للمرء حرق ما يوازي 500 إلى 800 سعر حراري في الساعة الواحدة، ولكن بعيدًا عن الإحصاءات والأرقام، فالزومبا تخرج تلك الطاقة السلبية التي اختزنتها بداخلك لساعات أو لأيام أو حتى لشهور، لتبدأ مواجهة العالم مرة أخرى في الصباح الباكر ولكن بروح خفيفة خالية من الهموم.
أكثر ما أثار انتباهي وأنا أشاهد المشاركين في رقصة الزومبا في تلك الصالة الرياضية في لبنان، هي التنوع الشديد والاختلاف فيما بينهم، فالمشاركين كانوا من جميع الأعمار سواء كانوا كبارًا في السن أو حتى صغارًا جنبًا إلى جنب يمارسون الرقص دون التفكير في شيء آخر سوى المتعة والرغبة الحقيقية في ممارسة شيء يسعدهم، كذلك ظهر التكامل في عدم الخجل من الوزن الزائد، فبجانب الأجساد الرشيقة التي ترقص بنوع من اللياقة والنشاط كان هناك سيدات من صاحبات الوزن الزائد اللاتي كن يرقصن ببطء ولكنهن كن مصممات على الرقص مهما كانت النتيجة، وكأنهن يطبقن تلك المقولة للكاتبة الجزائرية أحلام مستغماني: "حاذر أن تغادر حلبة الرقص.. كي لا تغادرك الحياة".