الخوف بطل قصصنا جميعًا

1013

الخوف من ضمن العواطف الأساسية أو الفطرية، ويعني الشعور الناجم عن الإحساس بالخطر والتهديد، أو رد على تحفيز معين، والذي يتسبب بدوره في تغيير السلوك، ويكون هذا السلوك إما الهروب والتجنب وإما المواجهة، كما يُعد الخوف هو الدافع الأقوى لغريزة البقاء على قيد الحياة.

 

ونرى المشهد الأول من مسرحية “الهمجي” لكاتبها “لينين الرملي”، من أقوى المشاهد الدرامية التي تصف مراحل الخوف بدقة شديدة، فهو مشهد نرى فيه الإنسان البدائي عندما يُفاجأ بهجوم حيوان ضخم يهدد حياته وحياة عائلته، نلاحظ أن البطل أصابه الهلع والقلق الشديد، وبالتالي شعر بالعجز وعدم القدرة على السيطرة، ثم نظر إلى عائلته خائفًا على فقدانهم، وعندما اجتمعت كل المخاوف في لحظة كان أمامه أن يختار بين الهروب والمواجهة، ولكن لم تُتَح له فرصة الهروب، فقرر التحرر من هذا الخوف ومواجهته، وإعطاء فرصة لإعمال العقل، فحارب هذا الحيوان وقتله، وفي لحظة تَحوَّل الهلع إلى فخر، والإحباط إلى نضج.

 

وبنظرة تأملية لتاريخ هذا الشعور بداخلي، فأنا لا أتذكر يومًا لم أشعر فيه بهذا الإحساس الملازم لي طوال حياتي، فكانت طفولتي مليئة بالمخاوف، بداية من خوفي من انتهاء الحلوى حتى خوفي من درجات الامتحانات، ليستمر سلسال الخوف في المراهقة من عدم القبول أو من خصام أمي أو حتى الشجار مع أصدقائي، لينتهي بهلع الفقدان.

 

ولأن لي قصصًا كثيرة مع الفقدان فلم يجد الخوف مكانًا أكثر استقرارًا منه، كي يجلس فيه ويخلق هواجسه التي تطاردني، فالآن كل ما يحركني في الحياة هو ألا أفقد، أشعر أحيانًا أن الخوف من الفقدان هو رجل ضخم قبيح يقف بعصا طويلة مليئة بأشواك من حديد، ينتظر أمرًا ما كي يضرب بتلك العصا رأسي وجسدي، حتى تقوم أشواك الحديد بتقطيعي.

 

رغم قسوة هذا الشعور لكن الاختيار ما بين الهروب منه أو مواجهته يظل متاحًا، أحيانًا يكون الهروب بالإنكار أو بتجنب الظروف التي تستدعي خوفي، ولكن سرعان ما أحاول التحرر بالمواجهة، فيتحول من هلع الفقدان إلى الانغماس فيما لديّ هنا والآن، واستدراج خوفي لدائرة أماني، فمرة يقوى الخوف وأفقد أنا السيطرة، ومرة يكون هو حافزًا لكي أدرك قيمة ما أملك قبل فقدانه.

 

ولم يكن الخوف بطل قصتي أنا فقط، ولكنه بطل كل القصص، فنرى أن الخوف من المستقبل قد يصيب البعض بالقلق المَرضي أو يجعلهم يقومون بتحديات غير متوقعة، أو كبعض الأمهات اللاتي قد يتسبب خوفهن على أطفالهن إلى حماية مفرطة تؤذيهم أو تربية متزنة صحية تساعدهم، أما الخوف من المرض أحيانًا يكون مُحفِّزًا لحياة أكثر صحية أو وسواس مرضي.

 

قالت لي إحدى صديقاتي نَصًّا “الخوف عندي يعني العجز، بخاف من قلة الحيلة”، وعندما سألتها عن أثر هذا الخوف في حياتها قالت “ساعات بيخليني عصبية وعنيفة، لكن لما بفكر إني أصاحب عجزي وأشوف قلة حيلتي حاجة طبيعية، بعرف أستمتع بحياتي أكتر”.

وقالت أخرى “الخوف بحسه الحاجة الوحيدة اللي بتقيدني، بس الحاجة الإيجابية فيه إن مع كل مرة بكسر خوف بحس إن حياتي بقت أفضل، بحس إني فخورة بنفسي”.

 

أما تلك الأخيرة فقالت “أنا بخاف من الاحتياج، بخاف لما أحس بالحوجة”، وعند سؤالها عن أثر ذلك قالت “لما بسيب نفسي للإحساس ده بكتئب وبكره نفسي والدنيا كلها، وساعات بقبل بعلاقات مسيئة عشان بخاف أحتاج حد معايا، لكن برضو الخوف ده خلاني أحس بالناس أكتر، وكمان أهتم بشغلي، يعني أنا شاطرة في شغلي عشان بس خايفة أحتاج فلوس”.

 

ويظل الخوف يروي قصصه فينا، فالاستجابة له تصيبنا بالشلل وعدم القدرة، ومواجهته تجعل الحياة أكثر حركة والعقل أكثر نُضجًا، وكأنه خلق كي يجعلنا دائمًا نختار، أما أن يتسبب في موتنا ونحن على قيد الحياة، أو يصبح هو الحافز الأول والأخير على إعمال العقل، وأحيانًا الفخر بأنفسنا، لأننا استطعنا خوضه والتغلب عليه.

المقالة السابقةالدنيا لسة فيها حاجات مبنعرفش نشرحها
المقالة القادمةعن اختبار الفقد
استشاري صحة نفسية. كاتبة في مجال الصحة النفسية والمجال الاجتماعي.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا