الخروج من النفق المظلم

1008

رحلة مخيفة تضرب استقرارنا في مقتل عند مرورنا بتجربة إدمان المخدرات. وأقول “مرورنا” لأن المدمن لا يختبر الأمر وحده، بل يعيشه كل من أحاط به من أهل وأبناء وأصدقاء ورفاق عمل.

 

لن يتضمن هذا المقال المشاهد المفزعة التي يمر بها من خاض هذا السرداب الخطر، أو إحصائيات عن تعاطي المخدرات في مصر -سأكتفي بذكر أنها الأولى عالميًا- لأن هذا المقال سيسرد صور طمأنينة وسلام ما بعد ولادة النور في قلب المتعافي وعائلته.

 

في هذا المقال الكثير من صيغ التفاؤل وتكثيف معاني الثقة في التعامل مع المتعافين وأسرهم.. فلا تقرأ إن كنت من المُنفِّرين أو المعادين للاختلاف أو قليل القدرة على التقبل.

 

الأسرة البطلة التي مرت بمعاناة حقيقية بدأت من شكوك في سلوكيات فرد غالٍ عزيز، تصاعدت لرفض فكرة الإدمان، “إحنا ربينا أحسن تربية/ ده متوتر أو قلقان عشان الظروف”، ثم اكتشافهم المرض* بعد مرور عام في أحسن الأحوال، ثم محاولات التقويم، فقلق معرفة الأقارب، مصاعب المراوغة والإنكار التي سيستخدمها مريضهم ليؤثر عليهم، ثم التصرف البارع بالتوجه للعلاج، حشد مشاعر الدعم والتصرفات الذكية للخروج من نفق اليأس هذا، فالوصول إلى نقطة النور بمتعافٍ حقيقي، هذه الأسرة التي تعلمت كثيرًا عن مرض أصابها، وواجهت ظرفها المضطرب، واستطاعت النجاة منه لا نستطيع وصفها سوى بالعظمة.

 

التعافي ما هو إلا نقطة النور في آخر النفق كما أسلفت، وبعد هذا المخاض ولادة لحياة حقيقية يشكلها كل فرد في هذا المركب، وليس المتعافي وحده.

 

ما بعد التعافي يرشد الناجي أسرته ويطفئ خوفهم المحبوس في الأعين بممارسته الصراحة، وعلى اليد الأخرى تطهر الأسرة نفسها من مشكلاتها الأصلية التي أودت بها لهذا الطريق، كالآباء الذين يعيدون اكتشاف أنفسهم عندما يرزقون بمولود، ويريدون أن يصبحوا قدوة صالحة.

 

بيئة تجنبنا الانتكاسات لها مذاق الصحة، لها أيضًا شروط، وهي:

 

1- ننظف الذاكرة من الفيروسات

الناجي من المرض يلقي بالأدوات التي أودت به للوجع في قمامة تستحقها، ويكافئ نفسه بخطوات جدية لرعاية صحته، كالرياضة مثلاً. وتتخلص الأسرة من لغة المعايرة والتأنيب وذكر الماضي والمن، وتكتسب لغة السند والتشجيع التي ستروي البذرة الطيبة الصالحة في قلب ابنهم/ ابنتهم.

 

2- تحاليل المسؤولية

ولا أقصد هنا الروتين المتبع في متابعة المريض بالتحاليل كل فترة، بل أعني أن تخلع الأسرة عوينات المراقب المُلقِّن للنصح وترتدي حكمة تحمل مسؤوليتها فيما آلت إليه الأمور، فتعيد ترتيب أوراقها، ويتنزه الناجي في منطقة المهمات الاجتماعية، فيبدأ بالخروج من الرتابة والروتين، ويُسند لنفسه مهامًا تساعد الأسرة حتى لو كانت بسيطة، فتُستعاد الثقة المهزومة بتلقائية.

 

3- لا مساحة للفراغ

المكتبة التي تستطيع الأسرة خلقها معًا، المشاركة في ممارسة الطقوس الدينية يوصل ما انقطع من أحبال المودة ويسهل عودة الأنفاس لرئات الأسرة، وللناجي أبواب ومناحي التعلم والمعرفة والعمل الجاد ليرقى درج الحياة، وسلم التحقق.

 

4- الاحتفاء بالحياة

هدية بسيطة أو كلمة تكافئ الأسرة نفسها بها لنجاحها الذي يعززه ويُتَوجُّه مرور الوقت، تجعلنا نرى مدى نصرنا على المرض، كذا المبادئ الجديدة التي اكتسبها الناجي من المرض أثناء علاجه من “أمانة، نية بذل الجهد، التفتح الذهني، التقبل، التواضع، احترام العجز، الأمل، الثقة، الإيمان، التزام الصبر” يبدأ نشرها في محيطه بفاعلية تجعل الأسرة تتعافى مما اكتسبته من سيئ الصفات أثناء مرحلة مرضه النشطة.

 

الأسر التي قطعت مسارات مُرَّة، وكادت تمزقها الهشاشة ألف مرة، ونجحت في صعود جبل النجاة، ما زالت في ملاحم تواجه أيادٍ ونفوس ضعاف تود إلقائهم جميعًا من فوق قمة الجبل بثقافة الوصم والعار.

 

هذه الثقافة تشين المريض بزيف، ولا تتصدى بشكل حقيقي للمرض الذي يضرب أرجاء بيوتنا، ثقافة بها من الاستعلاء والكبر ما يصادر حقنا في العيش أسوياء أصحاء.

المقالة السابقةقائدة أم مديرة؟
المقالة القادمةلايارونا وأسطورة المرأة الباكية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا