التهمة: أنثى في مجتمع شرقي

1551

 

بقلم/ وفاء مرزوق

 

“لما قالوا ده ولد اتشد ظهري واتسند. وجابولي البيض مقشر وعليه السمن مرق. لما قالوا دي بنية اتهد البيت عليّ وجابولي البيض بقشره وبدال السمن مية”.

بهذه الكلمات العنصرية يتم استقبال ميلاد الأنثى، وكأنه خبر مفجع وعار حدث على مستوى الأسرة، وكأن خيرًا لها ولأسرتها لو لم تُولد. لتبدأ معاناة تلك الأنثى في ظل مجتمع رافض لها من لحظة ميلادها.

 

هذا المجتمع لا يكتفي فقط بالكلمات العنصرية التي تقلل من شأن الأنثى على طول المسيرة، لكنه يتحول إلى سلسلة من الممارسات القمعية واللا آدمية تجاة تلك الأنثى. تلك الممارسات هدفها طمس هوية الأنثى وبتر كل جمال لها. تلك الأنثى كل تهمتها في الحياة أنها أنثى في مجتمع شرقي.

 

تبدأ تلك الممارسات بختان الأنثى وبتر أعضاء من جسدها، تحت شعارات فارغة من المحافظة عليها وعلى عفتها. ولم تتوقف تلك الممارسة إلى الآن، بالرغم من كم الضحايا اللواتي فارقن الحياة نتيجة حدوث نزيف لهن جراء تلك الممارسة غير الإنسانية.

 

جدير بالذكر أنه لا يوجد أي سند ديني لهذا التصرف، كما وقف الكثيرون في حيرة لإيجاد رابط بين بتر تلك الأجزاء وعفة الفتاة. وظل السؤال مُعلقًا: لماذا تقتصر العفة في مجتمعاتنا الشرقية على حدود الجسد؟! ولماذا هي قاصرة في الوقت نفسه على الإناث وكل ما يتعلق بجسدهن؟!

 

تلك الممارسة التي تظل ذكراها عالقة بذهنها طيلة العمر، والتي تحرمها في المستقبل من شعورها باللذة والنشوة مع شريك حياتها، الذي يشكو بدوره من برود زوجته تجاهه. ماذا تفعل تلك الأنثى في مجتمع متضارب الفكر والمنطق والشعور؟!

 

حتى مفهوم “العذرية” ينطبق فقط على الإناث وليس الذكور. ويظل مفهوم العذرية مربوطًا بغشاء البكارة، في هوس من المجتمعات لتقديسه ورؤيته المعيار والمؤشر الوحيد لشرف الأنثى.

 

نعم .. نحن مجتمعات لم نتجاوز بتفكيرنا إلى ما هو أبعد من الجهاز التناسلي للأنثى، لم نفكر في عفة وعذرية الفكر والعقل وعُذرية النفس. جدير بالذكر أن هذا المفهوم لا ينطبق على الذكور، فلا يوجد مقياس مادي لعذريتهم هم أيضًا. وإن كانت تلك المجتمعات تكفل للرجل القيام بكل شيء دون أن يعيبه أو يمسه من العيب شيء. إذا أخطأت العاهرة مع التقي ظل لقبها “عاهرة” وظل لقبه “تقي”.

 

بمجرد أن تنفجر الحياة من جسد الأنثى ليُعلن بلوغها وبداية ظهور ملامح جسدها، تبدأ الممارسات في إخفاء تلك المظاهر عن طريق الحث على ارتداء ملابس معينة وتحريم ارتداء غيرها، وحينما يتحدثون عن العثرة والعورة تأتي الأنثى السبب الرئيسي والمسؤول الوحيد عن تلك العثرات، وتجد نفسها هي العورة ذاتها. تلك التهمة.. الأنثى، لا يعترف أحد أمامها أن العثرة في عين رائيها، أي أنها نابعة من عقل من ينظر، وليست نتيجة تصرفات أو ملابس الأنثى التي أمامه.

 

ويحضرني قول نزار حينما قال: “لماذا أهل بلدتنا يمزقهم تناقضهم؟ ففي ساعات يقظتهم يسبون الضفائر والتنانير، وحين الليل يطويهم يضمون التصاوير!”، وتظل العورة هي عطر وملابس وملامح وصوت أنثى.

 

لن أستطيع سرد كل الممارسات التي تتم تجاه الأنثى من لحظة ميلادها لنهاية حياتها. فإلى اليوم لا زال هناك متاجرة بالإناث، human trafficking، وزواج لفتيات دون السن القانوني.

وتظل التهمة: أنثى في مجتمع شرقي يقوم بتشييء الأنثى واختزالها، لنصبح في عصر آخر من وأد الإناث، ليس بالقتل ولكن بالقمع والتهميش.

ولكني ما زلت أحلم أن تبقى الأنثى لمسة الحياة في المجتمعات، لمسة الخير، لمسة الجمال.

 

“أُريدك أنثى لتبقى الحياة على أرضنا ممكنة

أُريدُك باسم الطفولة أنثى

وباسم الرجولة أنثى

وباسم الأمومة أنثى

فما دمت أنثى فنحن بخيرٍ”

(نزار قباني)

 

عصر جديد من وأد الإناث

 

 

المقالة السابقةنمر صغير في حقيبتي
المقالة القادمةما هو التنمر؟ قائمة أفضل افلام عن التنمر بالعربي والانجليزي
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا