الالتزام على طريقة “إيفا” و”هتلر”

1482

 

رحاب لؤي

“بنحب بعض لكن مشكلتنا الخوف من الالتزام”

الجملة دي بعبع في علاقات كتير، عن الاثنين اللي بيحبوا بعض جدًا، متفاهمين، وبينهم مشتركات وظروفهم تسمح بالارتباط ومفيش أي عائق قصادهم غير فكرة الخوف من “الالتزام”، اللي ممكن يكون عند طرف واحد، أو عند الطرفين.. هي خايفة من المسؤولية وشكل الحياة اللي هيتغير، وهو خايف من الحياة الجديدة ونمط الحياة اللي أكيد هيختلف.

 

في مقابل الخوف الهيستيري من “الالتزام” بنقابل أمثلة على الالتزام المتطرف، اللي هو هفضل معاك للنهاية مهما كانت النتيجة، حتى لو كان آخر السكة سد، هنخبط في الحيطة مع بعض، وحتى لو مكانش فيه أمل في الحياة مع بعض، هنموت مع بعض، البعض بيعملها بيأس والبعض التاني بيعملها بحب وولع.. زي “إيفا” و”هتلر”.

 

“إيفا” مكانتش مجرد بنت شقراء تافهة عاوزة ترتبط بأشهر راجل في بلدها وخلاص، نظرة سريعة على تاريخها تبين إننا بنتعامل مع إنسانة مجتهدة جدًا، وذكية، وكمان رياضية. دراستها استمرت بين أماكن مختلفة زي الكلية الكاثوليكية، ودير الأخوات الإنجليز، وأخيرًا كلية إدارة الأعمال، أول وظيفة ليها كانت مندوبة مبيعات في مكتب “هاينريش هوفمان”، المصور الرسمي للمستشار الألماني “أدولف هتلر”. لكن طموحها ورغبتها في التطور دفعوها لتعلم أساسيات التصوير، عشان بعد وقت قصير تبقى مصورة “هتلر” تحت إشراف رئيسها “هوفمان”.

 

البنت اللي بتنتمي لأسرة متوسطة، واللي والدها ووالدتها انفصلوا في مرحلة ما في حياتهم بسبب الظروف المادية، وقعت في الحب بدري جدًا، تحديدًا في عمر الـ17. ورغم عدم وجود أي وثائق بتتكلم عن مشاعر “إيفا” ناحية “هتلر” قبل رؤيته، لكن الأكيد إن اللقاء الأول بينهم في استديو “هوفمان” كان بداية لافتة لعلاقة قوية ميفرقهاش إلا الموت.

 

في توقيت اللقاء كان “هتلر” منجذب لقريبته “جيلي روبال”، بنت جميلة ومنطلقة. كانت بنت أخت “هتلر” غير الشقيقة “أنجيلا روبال”. المفروض إنه كان خالها نظريًا، لكن أيًّا كانت الحقيقة فالنهاية المؤكدة كان انتحار “جيلي” بطريقة مفاجأة سنة 1931 في شقة “هتلر”. وسواء كان الانتحار زي ما بيقول البعض إنه بسبب جواب لقيته “جيلي” في جيب “هتلر” جايله من “إيفا” -وده مستبعد- أو كان السبب علاقتها بسائق “هتلر”، “إميل موريس” اللي بسببها تم تحديد إقامتها وكانت أقرب للسجينة، في النهاية ماتت العقبة الأساسية في طريق “إيفا” أخيرًا، واتمهد الطريق لها وهي في عمر 19 سنة، بعد سنتين بس من أول لقاء بينها وبين “هلتر”، اللي لاقى بينها وبين “جيلي” شبه كبير، مع فارق إن الأولى كانت صعبة المنال، لكن التانية تتمنى الرضا.

 

علاقة مكانتش سهلة على الإطلاق، لكن التزام “إيفا” تجاه حبها، خلاها تعمل أي حاجة ممكنة عشان تقدر تستولى على قلب “هلتر”، حتى لو كان ده بمحاولة انتحار مزيفة، زي ما حصل سنة 1932، لما حست إنه هيروح منها، فقررت تضرب رصاصة على صدرها من مسدس والدها. ودليل عدم جديتها إنها فعلاً مماتتش، وفعلاً زاد ارتباطه بيها، واتحقق هدفها. وبنهاية 1932 أصبحوا عشيقين، لكن يبدو إن ده كمان مكانش كفاية بالنسبة لـ”إيفا”، اللي كررت محاولة انتحارها سنة 1935، لما حست إن “هتلر” مش ملتزم كفاية ناحيتها. جرعة حبوب منومة كانت كفيلة تلفت نظر الحبيب، اللي بعد تلات شهور بس من المحاولة الفاشلة جابلها هي وأختها شقة في ميونخ من تلات غرف، وبعدها بسنة واحدة أهداها فيلا في بوجن جوسن، غير قدرتها على زيارة “هلتر” في مقر إقامته في برغهوف، وشقتها الخاصة في برلين.

 

كل صور “إيفا” مع “هلتر” عبارة عن نظرة هيام طويلة، وش عليه ابتسامة هادية ومطمئنة وعيون سعيدة وفرحانة، حتى لو مش باصصلها، الحقيقة مكانش عندها أي طموح غير الاستمرار معاه. محاولتش تحضر الاجتماعات الخاصة بالحزب النازي ومكانتش عضوة أصلاً فيه. كملت شغلها خلال معرفتها بـ”هتلر” كمصورة خاصة، وكسبت من ورا صورها له كتير، واشتغلت كسكرتيرة خاصة بيه. كانت راضية بالمتاح منه ليها، ومكافأة لها، قرر هو كمان يلتزم تجاهها طول الوقت.

 

صور “إيفا” و”هلتر” كلها معاني، اهتماماتهم المشتركة بتربية الكلاب، الحياة وسط الطبيعة قرب الجبل، نظراتهم لبعض، علاقة حب كانت بتكمل أضلاعها في أوقات الهدوء، وبتتجلى قوتها في أوقات الخطر.

 

“هَل تعتقد أني سَأتركه يموتُ وَحده؟! سَأبقى مَعه حتى آخر لَحظة…”، بوضوح حددت “إيفا” موقفها من حبيبها لما اقترح عليها رئيس منظمة “شباب هلتر” والقيادي النازي “هينريته فون شيراخ”، إنها تستخبى بعد الحرب. موقف اتأكد سنة 1945 لما بان بوضوح إن “هتلر” أيامه معدودة، وإن الخطر بيقرب. وتقديرًا لموقفها النبيل قرر “هتلر” إنه يتمم مراسم زواجه على الإنسانة اللي انتظرته 14 سنة، في علاقة كان ضروري يلتزم فيها حتى اللحظة الأخيرة بالزواج.

 

حفلة بسيطة في ملجأ “هتلر” وفطار متواضع مع عروسته، اللي أخدت قرار مشترك مع حبيبها بالموت على كنبة صغيرة. كان عمرها وقتها 33 سنة، لكن التزامها تجاه “هتلر” كان أكبر من أي شيء. كمان التزامها تجاه حلمها إنها تكون الزوجة الرسمية للفوهرر خلاها تموت بنفس راضية، بعد ما اسمها اتحول أخيرًا من “إيفا براون” لـ”إيفا هتلر”.

 

فيه مثل شعبي بيقول “الشيء اللي يزيد عن حده بينقلب ضده”. صحيح الالتزام حلو، وضلع أساسي في أي علاقة حب، لكن لو الالتزام هيضيع صاحبه، هيلغي شخصيته، هيعرَّض حياته للخطر، هيتحول لهوس وهدف مش مجرد وسيلة للسعادة، يبقى إحنا هنا بنتكلم عن مرض. الالتزام اللي ميسعدش صاحبه ويخليه يعيش حياة سعيدة، يبقى التزام بـ”هوس”، مش التزام بعلاقة متكاملة بتحقق الأمان والاستقرار والسعادة، زي التزام “إيفا” مع “هتلر”. التزام ضيَّع بنت جميلة في عز شبابها فطيس، مرة بالرصاص ومرتين بسم السيانيد!

 

الالتزام حلو.. بس له حدود!

 

المقالة السابقةويحسبون أنهم أحسنوا تربيتنا
المقالة القادمةما هي شروط اختيار المناسبة؟ دليل اختيار المدرسة المناسبة للطفل
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا