اكسرلها ضِلع

1983

بما إننا كنّا عايشين في أسيوط في الصعيد، كانت خلفة البنات مش أحسن خبر، وأتشرف إني البلوة الرابعة.. آخر العنقود.

 

من حوالي ١٥ سنة وأكتر، والدي كان بيحكي معانا عن لما أمي جابت البنت التالتة، اللي هي أختي الكبيرة، وبما إني أصغرهم، بيقول إن اليوم اللي اتولدت فيه الناس كانت بتشوفه ومش بتباركله. ناس قالتله ربنا معاك، وناس خافت تقوله مبروك يزعل، وناس شافوه وحاولوا يواسوه عشان خلف بنت للمرة التالتة.

 

وعلى عكس آباء كتير حوالينا، كانوا مقتنعين بمبدأ إنك لازم تكسر للبنت ضلع وتقص ريشها، أحسن تجيبلك مصيبة، والدي كان بيحاول يمكننا من الحياة بحبه وثقته فينا ومن اللي ممكن نقابله فيها.

 

مش هتتجوزي

وأنا في إعداي أخدنا درس عن أضرار ختان الإناث. ومدرس العربي وقتها كان بيعتمد في حصته إنه يخلينا نتناقش ونقول رأينا بصراحة، عشان مناخدش أفكار مُسلَّم بيها، حتى لو كانت دي أفكار كتاب الوزارة.

 

النقاش في الأول كان هادي، معظمنا ضد ختان البنت، لكن صاحبتي المقربة وقتها اعترضت واتضايقت قوي.. وسألتني بعنف وصوت مكتوم “إنتي مختونة؟”، رديت وقولت لأ طبعًا، وكان ردها إن كده غلط والدرس معلوماته مش صح، وده كلام لازم يتقال في المدارس. وبعدها نبرات السخرية ابتدت تظهر في كلامها، وإني لازم أروح النهاردة بعد انتهاء اليوم الدراسي أقول لوالدي يعملي عملية ختان، عشان من غيرها فيه خطورة على مستقبلي بإني مش هعرف أتجوز، وده الكلام اللي قالته مامتها وقت ما ختنتها وختنت إخواتها البنات اللي أكبر منها.

 

ولأن وقتها كانت صاحبتي جريئة جدًا، وأنا كنت خجولة، ابتدت تتكلم وتسأل باقي البنات، ويومها الفصل اتقسم نصين، نص ضد الختان ونص تاني مختون، وبيتريق على غير المختنات، وقرروا ياخدوا مننا موقف لغاية ما نقول لأهالينا ونعمل العملية ونكون زيهم، بعدها ممكن يتكلموا معانا بطريقة أحسن.

 

مش قادرة أنسى وقتها الخوف اللي جالي من إن ممكن أفقد أصحابي بسبب حاجة زي كده، ولا قادرة أنسى إحساس الهزيمة وإني عايزة أكون زيهم عشان مخسرهمش، بس مش حاسة إن ده الصح. ده غير جملة “يمكن ختنوكي ومش حاسة”، إحساس التشكيك في نفسي وفي أهلي وهل ممكن حاجة زي كده تحصل وأنا مش عارفة!

 

ناقصة ومعيوبة

يومها روحت البيت مهزوزة ومهزومة، مش عارفة أنا صح ولا غلط، مش عارفة إذا كان ناقصني حاجة ولا لأ، طيب هتجوز؟ فيه راجل هيقبلني بعد ما يعرف إني مش مختونة؟ طيب هو أنا كده أفكاري وتصرفاتي مفهاش أدب وتربية؟ طيب هقدر أقول لجوزي إني بفكر في الجنس ولا هبقى “بتاعة ولاد” زي ما يومها البنات قالولي في الفصل؟

 

أفكار كتير كانت جوايا ومش عارفة أوقفها، ومش عارفة أثبت وجهة نظري إزاي؟ طيب العملية دي ليها فايدة ولا ملهاش؟ وقررت إنى هحكي لبابا وأقنعه يعملي العملية دي.

حكيت لبابا على كل اللي حصل، وطبعًا بعد رفض منه للفكرة وتوضيح إزاي هي ممكن تؤذي البنت وتؤذي جوازها، قاللي كلام مش ممكن أنساه طول عمري:

 

“أنا مش فاهم إزاي شايفين إن قيمة البنت ف جوازها ولا جسمها، هو الجواز يعني اللي هيديكي القيمة؟! طيب مش الأولى البنت تحافظ على عقلها ومواهبها؟

يا بنتي قيمتك في عقلك، اللي عايزة تعمل حاجة غلط هتعرف تعمل الغلط..

الغلط مش بيبدأ بالتقارب الجسدي، بيبدأ من المشاعر والأفكار غير المحددة وغير الواضحة”.

 

النهارده بعد وعي عن أضرار الختان، ومشوار كل بنت وهي ماشية ناحية التعافي من غدر الختان، أحب أقول لروح والدي إني ممتنة لوعيه، رغم عيشته في الصعيد وشغله في الأرياف، ممتنة إنه مقتنعش بفكرة ختاني ولا انهزم قدام رشاوى الأهالي في الأرياف عشان يختن بناتهم.. ممتنة إنه حبني وقوَّاني بثقته فيَّ وبدفء حضنه ومحاولش يقص رشي.

المقالة السابقةماذا فعل بي الختان؟
المقالة القادمةرسائل لم تُرسل بعد

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا