احتمال الدورة الشهرية بطولة

558

عندما كنت طفلة صغيرة اعتقدت أن أمي لا تمرض، فأنا لم أرها ترقد في الفراش مطلقًا، لم تشتكُ من الألم قط، على عكس والدي الذي كان يمرض كثيرًا من نزلات برد إلى آلام في الظهر وتورم في القدمين. كنت أشفق عليه كثيرًا وأتمنى لو كان يملك نصف مناعة والدتي من الأمراض والأوجاع.

 

عندما جاءتني الدورة الشهرية للمرة الأولى اعتقدت أنها النهاية.. حتمًا إنه الموت، فمن غير المحتمل أن يكون كل هذا الألم أمرًا عاديًا تمر به كل النساء مرة كل شهر.

 

لا أعتقد أن أمي تصاب بكل هذه الآلام، أو تشعر بهذا الوهن بشكل دوري ولا تعطي له بالاً، فهي تذهب إلى العمل وتعود إلى المنزل لتُعِد الطعام وتستقبل الضيوف وتساعدنا في المذاكرة، وتنزل مع والدي إلى السوق لشراء طلبات المنزل، وتشاهد معنا مسلسل الساعة السابعة.. تكتفي فقط بقرص من الأسبرين وكوب من القرفة بالحليب ساخنة، نفس قرص الأسبرين الذي أتناول منه أكثر من أربعة دون فائدة، ونفس كوب القرفة بالحليب الذي لم يكن حلاً لمشكلتي، وظللت أشعر بنفس الآلام طيلة ثلاثة أيام كانت طويلة كالدهر. ربما كان كوب القرفة خاصتها مختلفًا! كوب سحري يأخذ معه الألم بعيدًا! أو أنها تتناول نوعًا آخر مختلفًا من المسكنات غير قرص الأسبرين الأزرق التقليدي!

 

في بداية الأمر كنت أمتنع في أيام الدورة الشهرية عن الذهاب إلى المدرسة أو مساعدة والدتي في أعمال المنزل، أقضي أيامي ألعن أني ولدت أنثى، أتخذ كل الإجراءات الاحتياطية لتقليل الألم، دون فائدة. ظللت على تلك الحال حتى بدأت تقل وطأة هذه الآلام تدريجيًا مرة تلو الأخرى، فهذه المرة أتناول قرص مسكن واحدًا، وفي المرة التي تليها أكتفي بالقرفة السحرية. توقفت عن إلغاء مواعيدي، بل عدت أقوم بأعمال المنزل والاستذكار بشكل عادي.. ساعة أو ساعتين من النوم ثم أعود لممارسة حياتي بشكل طبيعي.

 

لم يقل ألم الدورة الشهرية فقط، ولكن أصبح جسدي قادرًا بشكل أكبر على تحمل الألم بأنواعه، فلا أنتبه لنزلات البرد ولا أتوقف عند آلام ظهري. أجرح إصبعي بسكين المطبخ وأغسله بالماء الدافئ لأكمل الوجبة التي أعدها. أحرق يدي في الفرن وأضع عليها قليلاً من الثلج، ثم أبدأ في غسيل الأطباق. أخسر صديقة عزيزة لي نتيجة سوء فهم ما وأذاكر استعدادًا لامتحان الغد. ألم يلي ألمًا دون أن ينهار جسدي القوي أو يتوقف عقلي عن العمل.

 

لكن الدورة الشهرية ليست هي قمة الألم، وإن كنت تصورت ذلك لفترة قريبة، كنت أعتقد أن الدورة الشهرية هي أقصى الألم، حتى تزوجت وعرفت آلام الحمل والولادة، لأجد جسدي وكأنه صعد إلى مستوى أعلى في تحمل الآلام. لم يعد أي مجهود بعده يمثل عائقًا أمام جسدي القوي.. فإن كان الألم لعبة من ألعاب الفيديو فالولادة حتمًا هي مستوى الوحش. فنزلات البرد لن تكون سببًا كافيًا للرقاد في السرير، وآلام المعدة والظهر غير مهمة على الإطلاق، وأربع ساعات من النوم كافية جدًا لأبدأ يومًا جديدًا بكامل لياقتي.

 

لقد عرفت الآن أن والدتي كانت تمرض كثيرًا، ولكنها كانت تملك جسدًا تمرَّن على الألم كثيرًا فأصبح لا يعطي بالاً للآلام الصغيرة، أو ربما لم تملك الوقت لتعطي لها بالاً.

 

بالأمس كنت أتحدث مع والدتي عن أن لنا قريبة عانت كثيرًا في حياتها، ولا تزال تعاني الكثير، من مرض زوجها ومسؤولية أطفال خمسة واغتراب في بلد بعيد.. كنت أراها قوية جدًا. قالت لي والدتي: “لا توجد سيدة قوية، نحن فقط نُحمِّل أنفسنا ما لا طاقة لنا به”.

كان ردي دون تفكير: “عزيزتي.. كلنا أقوياء حتمًا، فكلنا نصاب بآلام الدورة الشهرية”.

المقالة السابقةدماء على الشاشة
المقالة القادمةثلاثينية وأفتخر

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا