احترس لتلك التفاصيل الصغيرة

574

 

بقلم/ هند صبحي

 

هل وقفت يومًا إلى جوار بائع الخضر والفاكهة وهو يزن لك مشترواتك؟ هل تأملت تلك الكتلة المعدنية المكتوب عليها ١ كجم التي يستخدمها لوزن بضاعته؟

تخيل لو تفتت تلك القطعة إلى ألف قطعة، ستزن كل قطعة آنذاك ١ جرام. فهل ستصبح وقتها شيئًا يُذكر أو يلفت انتباهك أو تستطيع أن تراه أصلاً بعينك المجردة؟ بالتأكيد لا.

ماذا لو اجتمع اثنان أو ثلاث من تلك القطع، هل ستلفت نظرك ساعتها؟ الإجابة أيضًا لا. لكن ماذا لو أمسكت بالكتلة المعدنية المكونة من ألف جرام وضربت بها أحدهم على رأسه مباشرة؟ حتمًا ستصيبه إصابة بالغة، هذا إن لم تُردِه قتيلاً في لحظات.

 

هذا بالضبط هو حجم الضغط العصبي الواقع على شخص ما، نتيجة لتفاصيل متناهية الصغر، وأمور قد تبدو تافهة لأغلبنا. فعلى سبيل المثال الأم التي يجب أن تنتبه جيدًا لاختلاف أذواق أفراد الأسرة في الطعام، فيجب عليها أن تتذكر أن الابن يحب البطاطس المحمرة بالفلفل الأسود بينما الأب لا يطيقها بالفلفل ويفضل إضافة الملح، أما الابنة فتفضلها بدون أي إضافات. لذا يتوجب على الأم عند إعداد صنف واحد من أصناف الطعام تذكر كل تلك التفاصيل.

 

ناهيك بموعد الدرس الذي يتصادف أن يكون في نفس توقيت التمرين، لكن في مكانين مختلفين، لذا يجب عليها القيام بمعجزة زمكانية لتوصيل كل طفل في الميعاد المناسب. أضف إلى ذلك مباحثات ومناورات وأسئلة ما قبل النوم الوجودية، التي تطرح نفسها في ظل انعدام طاقة الأم في نهاية اليوم. هذا بالإضافة إلى أدوارها كزوجة وابنة وأخت وصديقة، التي يتوجب عليها القيام بها على أكمل وجه، في ظل تغيرات هرمونية وفسيولوجية تمر بها كل شهر، تضيف إلى تلك الضغوط تقلبات مزاجية وأوجاع مختلفة.

 

كل تفصيلة أو اثنتين من تلك التفاصيل تبدو بسيطة أو حتى تافهة، عندما يُنظر إليها منفردة، ولكن ماذا لو علمنا أن كل تلك التفاصيل مجتمعة هي آلاف الجرامات التي تشكل الكتلة الضخمة، التي ترتطم بالسلام والهدوء النفسي لكل امرأة، فينتج عنه إصابات بالغة تظهر في صورة رد فعل مبالغ فيه، أو صراخ على أتفه الأسباب أو بكاء هيستيري.

 

يطلق علماء الاجتماع على تلك المهام التي لا يوجد تقدير حقيقي لكم الوقت والمجهود المبذولين في أدائها مصطلحemotional labor أو emotional work والترجمة الحرفية هي “الجهد العاطفي”، ويعرِّفون ذلك المصطلح بأنها: “تلك المهام التي تطلب درجة عالية من الفهم والتحكم بالمشاعر. وعادة ما تكون تلك المهام زائدة عن المطلوب أو لا يوجد تقدير حقيقي لكم الوقت والجهد المبذولين في أدائها، أو لا يتم إدراجها في التوصيف الرسمي للوظيفة، حتى وإن كانت الوظيفة حيوية للمؤسسة”.

 

إذا قمنا بتطبيق هذا التعريف على المرأة واعتبرنا أن المؤسسة هي الأسرة أو المجتمع بوجه عام، فسنكتشف أن التوصيف الوظيفي للمرأة غالبًا ما يغفل أو يرفض الاعتراف بأنها الطرف المنتظر منه دائمًا تقديم الدعم العاطفي وتنظيم حياة المحيطين بها من زوج وأبناء، والاهتمام بأدق تفاصيلها، مما يشكل عبئًا نفسيًا يثقل كاهلها بصورة قد تكون غير مفهومة للمحيطين بها، وذلك بسبب الخطأ الأساسي، وهو التغافل عن المجهود المبذول في تلك المهام المتناهية الصغر، وفي نفس الوقت لا حصر لها. بل والذهاب إلى أن المرأة تسعد بالاهتمام بتلك التفاصيل وتجد فيها وسيلة للتعبير عن أنوثتها.

 

لذلك فإن لم يكن بإمكانك تقديم المساعدة ورفع شيء من هذا الثقل عن كاهل المرأة، فعلى الأقل لا تتعجب أو تستنكر أيًّا من ردود أفعالها المفاجئة، كالصريخ والبكاء، ولا تعتبر ذلك نوعًا من الانفعال غير المبرر أو المبالغ فيه.

 

الجهد العاطفي هو المهام التي تطلب درجة عالية من الفهم والتحكم بالمشاعر

 

 

المقالة السابقةأفضل 22 قصة للأطفال من معرض الكتاب
المقالة القادمة15 سببًا لحب الأفلام المصرية القديمة
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا