بقلم/ نسمة الجارحي
عزيزي ذاك الذي فقد شغفه بي ولربما بالحب كله منذ زمن.. دعني أخبرك ونحن على أعتاب فِراقنا الأخير حيث لا رجعة لِمَ ما كان وكيف ضللنا الطريق لما لم يكن.
بارعة جدًا أنا يا عزيزي في اعتناق الحكايا المعلقة، ودومًا راقت لي الروايات والأفلام ذات النهايات المفتوحة. فبالرغم من شغفي بالقراءة الذي أنت أعلم به مني لكني غالبًا ما أطرح كتبي جانبًا إذا ما شارفت على الانتهاء، ولربما أحيانًا أهجرها دون عودة بعد أن ألتهم نصفها بقليل إذا احتدم التشويق في أحداثها وقارب أن ينصهر الصراع.
أما عن أكلاتي المفضلة فألتهمها بنهم دون جزع، ولربما أطالب أمي بإعدادها تكرارًا لأيام متتالية، ومن ثم أمتنع عن تناولها إن أتى التشبع بمهل، وإن كنت ما زلت بحاجة للمزيد منها ومن الطعام.
أعشق الكد والعمل برغم ما رأيتموه فيّ دومًا كفتاة مدللة لا شيء يشغلها عن العالم بأسره، كمرآة وطلاء شفاه، حيث إنني لا يمر عليّ حول كامل إلا واستبدلت عملي بآخر.
ولكن لتعلم يا عزيزي أنني انتقائية في اختيار ما أقوم به من أعمال، متفانية جدًا إذا ما حصلت على عمل أهوى ممارسته، ولكن لربما أنا كفراشة حائرة تتنقل بين الزهور بحثًا عن رحيق لم تذقه بعد.. بحثًا عن الكمال.
إذا سألتني عن الكتابة (شهيق رئتيّ وزفيرهما) حدث ولا حرج، فخزانة مكتبي مليئة بنصوصٍ عدة حِيكت بصبرٍ مميت علّني أتمها.. فنفدت الحبور ولم تكتمل.. ولن تكتمل.
وهكذا أنا معك يا حبييي.. كلما اقتربت تمنعت وكلما لُذت بالغيات تضرعت للوصل ألمًا كي يردك إليّ، أتأرجح معك على أرجوحة الممكن تارة والمحال عدة مرات.. أفتعل الخلاف لتثور فأحسمه بقطيعة مؤقتة ونعود في هدنة فيهدأ البركان، إلى أن تتفجر إحدى عيونه من جديد فتثور، فأتودد لغضبك خوفًا لأن ينفد صبرك وترحل دون رجعة.
ظنوا فيّ يومًا اعتناق الملل سبيلاً للحياة وظننت معهم، واتهمتني بأنني أعبث كالأطفال فأمارس معك الكرَ والفرَ.
ولكن دعني أخبرك أن وحدها النهايات ما تؤلمني وتجعلني أتربص بسعادتنا المفرطة.
أوقن أن لكل بداية نهاية، وأن تلك البدايات لا تبلغ نهاياتها سوى بعد أن ندرك ذروة أحداث الحكايا، وأنا يا عزيزي أخشى لحظات نشوتنا.. أخاف تبدد ذاك الشغف الذي يقتات قلبي على فتاته فينبض ويحيا. أخشى أن تصيب حصون قلوبنا سهام الملل والفتور فأفتعل العراك كي أشعل بداخلك لهيب الشوق وأحيي لهفة لربما وئدت تحت رماد الاعتيادية.
هكذا أنا يا عزيزي عالقة دومًا في بندول الحكايات، أعلم تمامًا كيف أبتدئ ولكني أغفل عن تردد أو إصرار سبل النهايات.
مرضي هو خوفي وآفتي هي الفقدان، أريد حبك ولكن أريد من قبله الأمان.. كم وددت لو أخبرك منذ يومنا الأول ولم يمنعني سوى كبر البوح وألم الاستجداء، واليوم أناجي ود قلبك بقلبٍ مهترئ أرهقه الفِراق. رفقًا بقلبي يا حبيبي إنه حقًا يحبك، وإن كان ما زال للحب بقية.. فانقض عهود الهجر وهدْم جسور القطيعة ليلتقي الشطآن، وكن سخيًا في احتوائك وامنحني مرفئًا آمنًا يقصيني عن الخوف من الفقدان.