إزاي أصاحب الألم؟ عن الاكتئاب والقلق

1953

 

كلما كتبت حرفًا عن الاكتئاب محوته بسرعة، أحاول الكتابة عن مصادقة الألم الناتج عنه، ذلك الجبل الجاثم فوق صدرك الذي يحاربك كي ينتصر عليك.

في تلك الحرب الشرسة عليك باقتناص الفرصة كي تصادقه، أعرف قوانين الصداقة، أفضلها هي تلك التي بين طرفين متكافئين. دعونا نقر أن الاكتئاب يزور الشخصية التي ليس لديها صلابة نفسية، ويعني ذلك باختصار شديد، الشخصية التي لا تستطيع التعامل مع الضغوط التي تتعرض لها، فتتكالب عليها ضغوطها وتصيبها بواحدة من الاضطرابات النفسية، وكل منا وسماته الوراثية.

في عائلتي القلق هو السائد، وأعرف أنني في وقت من الأوقات أصبت بالقلق جراء كم ضغوطات تعرضت لها، وبالعلاج تحسنت كثيرًا، لكن الاضطرابات لا تختفي نهائيًا، دعونا نقول بعضها، فالقلق والاكتئاب من الاضطربات التي تعود مرة أخرى إذا لم يحسن الفرد مصاحبتها، ويعني ذلك أنني تحت العلاج يمكنني التحسن من خلال تعلم مجموعة من المهارات، مثل كيفية التقاط الفكرة السلبية المسببة لمشاعر الاكتئاب أو القلق، وتعلم مناقشتها، وعدم الاستسلام للمشاعر الفجائية. فدومًا هناك طريقة ومهرب للخروج من هذا المأزق، تلك الطرق التي تعلمتها في جلسات العلاج تحتاج مني لتذكرها واعتمادها كأسلوب للحياة.

لأنه عند التعرض للضغوط مرة أخرى إذا لم أحسن استخدامها مرة أخرى ربما أتعرض لانتكاسة. قرأت مرة في كتاب جملة لن أنساها، وهي أن الشخص الذي تعرض للاكتئاب هو مُعرَّض مرة أخرى لحدوث ذلك، ولا يوجد شفاء تام، هناك شخص تحسنت مهاراته بشكل يُمكِّنه من مواجهة ذلك.

بالضبط كما شخص قرر أن يجري حمية غذائية وأصبح رشيقًا تمامًا، ثم نسي أسلوب الحياة الصحي وعاد إلى أسلوبه القديم متوقعًا أن جسده الذي ظل لشهور وربما لسنوات يعمل عليه سيظل كما هو، لكن الحقيقة أن كل ذلك سيذهب هباء وسيعود لوزنه القديم.

دعوني أحكي عن تجربتي مع القلق، ربما نستفيد منها ونعممها على الاكتئاب..

بالفعل أصبت منذ سنوات بالقلق وبالكثير من الأفكار السلبية التي أخذت تسيطر على عقلي، وأصبت مرات عدة بـ”بانيك أتاك”، جعلني أشعر باقتراب الموت، والخوف والقلق من حدوث ذلك، في ذلك الوقت احتجت لأخذ أدوية وجلست مع أحد المعالجين النفسيين، وتلقيت علاجًا معرفيًا سلوكيًا، وهو الذي يركز على تعلُّم مناقشة الأفكار السلبية، وفي الحقيقة كنت أتطور بشكل مذهل، ربما لذكائي الوجداني المرتفع، وربما لكوني معالِجة وأعرف التكنيكات وأستطيع تطبيقها بسهولة.

أكثر ما أزعجني عودة تلك الأفكار المسيطرة في ليالٍ عدة. لكني تعلمت أن ذلك يحدث في الأيام الضاغطة جسمانيًا أو نفسيًا، فتصادقنا، وقررت أن أصاحبه، أفهم متى يزورني ومتى سيغادر، والأهم هو كيف سيغادر دون إيذائي، منذ أسابيع كنت قد بذلت مجهودًا بدنيًا ولديَّ بعض الضغوط النفسية التي أتعرض لها، ودفعتني للتفكير فيها، وفي إحدى الليالي هاجمتني تلك النوبة التي أعرفها، ضربات قلب مرتفعة وضيق بالتنفس وأفكار حول موتي وترك ابنتي، وكنت وحدي في المنزل، لم يستغرق الأمر دقائق وكنت أقول لنفسي صادقة: “رضوى.. لن تموتي، في الغالب هذه نوبة قلق لأنك مجهدة وعليك إنهاء اليوم والنوم، لأنك متعبة، ودعينا نفترض أنك رحلتِ، ماذا سيحدث للطفلة؟ لديها آخرون سيعتنون بها، ولن يتركها الله، وربما يؤثر ذلك فيها ويلهمها.. دعكِ من كل هذا ونامي، وفي الصباح اجلسي لكتابة أفكارك الحقيقية المزعجة ودعينا نناقشها معًا”. في الحقيقة نمت ونسيت أمر تلك النوبة ولم أتذكرها حتى في الصباح.

الاكتئاب نفس الأمر.. هناك أفكار مزعجة وسلبية تدفع الفرد في بعض المرات إلى الحزن واليأس، والشعور بعدم جدوى الحياة والتفكير في الانتحار وربما التنفيذ، عليك أن تخبر نفسك أن العلاج ليس رفاهية، بل ضرورة، وأن الأمر سيتكرر كثيرًا فعليك بمواجهته. الصعوبة في المرة الأولى فقط، لكن الأمر لن يعود مؤلمًا أبدًا لأنك تعلمت وارتفعت مهاراتك.

دعونا نصاحب أمراضنا ولا نحاربها، فالصديق يتوقع زيارة صديقه، ولديه خطة محكمة لكيفية تمضية الوقت معًا، وهذا ما نود فعله بالضبط.

 

المقالة السابقةفكرت تنتحر قبل كده؟
المقالة القادمةسي السيد “نيولوك”

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا