أنا وشغفي

795

 

بقلم/ سمية قطب

 

أجلس مع نفسي قليلاً بعد مرور ثاني يوم عمل لي، في طريقي إلى المنزل، أعلم دائمًا أن الطرق الليلة هي ملهمتي الأولى، ولكن اليوم كان طريقي الصباحي الحار هو ملهمي للبحث عن شغفي على غير العادة.

 

أبحث عن شغفي الداخلي بسرعة، خوفًا أن يكون انطفأ وسط هذا اليوم الصعب، شغفي للأدب

والموسيقى والطبيعة، أبحث عنه فأجده في زاوية بعيدة، أحاول تهدئته، أحتضنه بقوة وأقول له إن البدايات دائمًا صعبة وإن الحياة تجارب، وهذه تجربة لا بد منها في بداية الطريق، تجربة ستضيف الكثير لنا، وعلينا أن نبذل أقوى ما لدينا، لأننا لن نستسلم.

 

يهدأ شغفي ويأخذ يدي، يذهب إلى منطقته الآمنة ليذكرني بها، يذكرني بسنتي الجامعية الثانية، يذكرني بجلساتنا

الطويلة معًا، بشعر نزار الذي كنا نقرأه ليلاً، للكتابات الكثيرة التي ترجع لهذا العام، وصوت

عبد الحليم وهو يتغنى بكلمات نزار “وستسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن..”، تجلب لي هذه الكلمات الحزن الدافئ.

 

أسأل نفسي في أسى: كيف تغيرت هكذا؟ كيف هُدمت كل مناطق أماني بهذه القسوة بعد هذا الطوفان الذي حدث

فجأة؟ كيف استطاع الحب والصداقة هدم كل شيء؟ لماذا كنت غبية لدرجة ترك تلك المناطق الآمنة لمطاردة الأشباح.. لمطاردة شبح حب أعرف جيدًا أنه وهمي، وشبح صداقة أعرف أنها هشة وساذجة؟

 

وكيف توالت أحداث حياتي لتجعلني أبتعد عن كل شيء كنت أفعله سابقًا؟ كيف استسلمت للتيار ليأخذني معه أينما يريد؟ كيف قطعت كل هذه المسافة بعيدًا عن نفسي؟ عن ماذا كنت أبحث في هذه المتاهات المتشابكة التي لا تشبه سلاسة أفكاري؟

 

ولكن الشيء الوحيد الذي استطعت الحفاظ عليه هو ذاك الهادئ الحالم، الذي يحدثني الآن ويذكرني بكل ما مررنا به معًا، بكل ما فقدناه، وبكل مناطق الأمان التي ما زال بإمكاننا العودة إليها، يذكرني بكتبي المفضلة، بدفاتري القديمة، وبأصدقائي الرائعين، يذكرني بكل الحب بداخلي.

 

ذكرني شغفي اليوم بمناطق أمانه التي يعلم جيدًا أنها المفضله لي، ذكرني وهمس في أذني أن علينا إعادة كل شيء كما كان قبل الطوفان، همس بخفته المعهودة أن السنتين الماضيتين كانتا مليئين بالدروس التي أرهقتنا، ولكننا في أمان الآن وعلينا إعادة الدفء للمكان.

 

احتضنته بشدة وقلت له: “سنسأل موج البحر وفيروز الشطآن عن مناطق أماننا الدافئة.. وسنجدها مرة أخرى بكل تأكيد”.

 

كيف قطعت كل هذه المسافة بعيدًا عن نفسي؟!

 

المقالة السابقةتأشيرة دخول إلى عالم الرجال
المقالة القادمةلو كنت راجل كنت أتمنى أرجع ست
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا