أنا مش عايزة حاجة

723

 

أستيقظ كل يوم على قائمة لا تنتهي من المهام التي يجب إنهاؤها قبل نهاية اليوم. أشعر أني أجري. تتقطع أنفاسي بين واجبات اجتماعية ومكالمات تليفونية. ومشاوير لا تنتهي.

 

أستيقظ على صداع يومي لا يزول إلا بقرصين من المسكن وعلى مكالمة من أمي.  تلومني أمي على مواعيد نومي واستيقاظي غير المنتظمة، وعلى قراءتي قبل النوم في ضوء الأباجورة الخافت، وعلى صرف أموالي على الكتب التي أشتريها “كل يوم” على حد تعبيرها.

تلومني أمي على المواعيد التي أطبخ فيها والتي أتناول فيها طعامي، وعلى الملابس الخفيفة التي أرتديها، وعلى النوم أمام المروحة.

تلومني أمي على الرباط الضاغط الذي ألفه حول قدمي لأهدأ قليلا من آلام تمزق الأربطة، وعلى عدم قدرتي على الانتظام في تناول الدواء، وعلى الكعب العالي الذي لا أرتديه أبدًا.

تلومني طوال المكالمة ثم تسألني “مش عايزة حاجة يا حبيبتي؟”.

لا يا أمي.. في الحقيقة أنا لا أريد شيئًا.

 

يرن جرس الباب.. أفتح لزوجة البواب التي تريد الدخول بحجة مساعدتي في أعمال المنزل، بينما هي في الحقيقة تريد أن تتسكع لجزء من النهار في شقتي لتعرف آخر أخباري وتنقلها لساكنات العمارة، كما تنقل لي بالضبط أخبارهن.

أعتذر لها بلطف عن الدخول وأخبرها أني سأخرج الآن والشقة نظيفة ولا يوجد ما يستدعي تدخلها.

تنزل السلم وهي تخفي غيظها وتسألني “يعني بجد مش عايزة حاجة يا مدام؟”

لا يا أم سارة.. أنا لا أريد شيئًا.

 

آخذ الشنطة الضخمة وأنزل لسوق الخضار. أقف عند نجاة البائعة التي اعتدت أن أشتري منها الخضر والفاكهة منذ زواجي. أنتقي الخضراوات وتزنها لي ثم تسألني “مش عايزة تقوّري البتنجان يا ست؟ البنات هنا عندي بيقوروا البتنجان ويقطفوا الملوخية ويقطعوا القلقاس ويقمعوا البامية ويعملولك كل اللي إنتي عايزاه”. أبتسم وأنا أقول لها شكرًا.. أنا أحب تجهيز الخضار بنفسي.

 

تسألني مرة ثانية وهي لا تصدق أن هناك من تحب تجهيز الخضار بنفسها في زمننا هذا: “يعني بجد مش عايزة البنات يعملولك حاجة؟!”.

لا يا نجاة.. أنا لا أريد شيئًا.

 

أعود لبيتي منهكة. أضع حقيبة التسوق الكبيرة على الأرض وأجلس بجوارها لألتقط أنفاسي. يدق جرس الباب، أقرر ألا أفتح أيًا كان من يطرقه. يستمر الدق فأقوم لأعرف من بالباب. أجد جارتيّ مدام هناء ساكنة الطابق الأرضي وزوجة الأستاذ ممدوح التي تسكن فوقي. لن أفتح بابي اليوم لأحد.

أسمعهما يثرثران أمام بابي، واحدة منهما تتساءل لماذا لا أفتح فتخمن الأخرى أني ربما أكون حاملاً “والحامل تحب النوم”. أتجاهل الباب والثرثرة.

 

وفي اليوم التالي تقابلني مدام هناء وتبادرني بقولها “طلعنالك امبارح بس مكنتيش موجودة. إنتي كويسة؟”. أجيبها بأني بخير وأشكرها وأهمّ بالخروج، فتحاول أن تعرف عني أكثر لتتأكد من تخمينها وتسأل مرة أخرى متصنعة الاهتمام “مش عايزة أجيبلك حاجة من برة بدل ما تخرجي وتتعبي؟ شكلك محتاج راحة”.

لا يا مدام هناء.. أنا لا أريد شيئًا.

 

في بداية المساء تتصل بي صديقتي لتثرثر قليلاً عن الذين وضعوها في “الـFriend zone ” والذين وضعتهم هي في نفس القائمة. تثرثر عن مشاويرها وعملها ومديرها وعائلتها. تثرثر دون أن تسمعني أو حتى تسمع مني ردًا على ثرثرتها. في نهاية المكالمة تسألني “مش عايزة حاجة بقى؟”.

لا يا صديقتي العزيزة.. أنا لا أريد شيئًا.

 

في نهاية اليوم أشعر أني منهكة. أجلس أمام التليفزيون وأقلب قنواته بلا وعي. يسألني زوجي “مالك؟ فيكي حاجة؟”. يقترب مني ويضمني لصدره ويربت على كتفي ويقول لي “أقدر أعملك حاجة؟ قوليلي عايزة إيه؟”.

أبكي.. أشهق وأبكي ولا أستطيع الكلام. يصبر حتى تنتهي انفاعلاتي المفاجئة ثم يسألني بهدوء مرة أخرى عما أريده.

 

أنا أريد أن أعيش بهدوء. أنام وأستيقظ وقتما أحب. أريد أن أقرأ ما أحب وأن أصرف نقودي بالطريقة التي تحقق لي السعادة. أريد أن أطبخ وأتناول طعامي بالطريقة التي أحبها. لا أريد أن يتطفل أحد على بيتي وعلى حياتي. لا أريد أن أكون صندوق قمامة ليوميات أحد. أريد أن أتكلم وأن يسمعني الناس. لا أريد أن تملي عليّ أمي تصرفاتي. وألا يتدخل جيراني في أسرار حياتي تحت مسمى العلاقات الاجتماعية. ولا أريد أن أسمع نصائح باعة الخضراوات والأسماك عن وجوب شراء المنتجات سابقة التجهيز. وأريد صديقة حقيقية.

هل هذا كثير؟!

إن كنتم ترونه كثيرًا فاتركوني في حالي.. أنا لا أريد منكم شيئًا.

المقالة السابقة3 حلويات لذيذة ومغذية لأطفالك
المقالة القادمةقانون مصري ظالم للمرأة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا