أنا لسة بقاوم عشانك يا مريم

2003

تم نشرة في 03/22/2018

 

بنتي الجميلة “مريم”:

أكتبلك الجواب ده وإنتي عندك خمس سنين و3 شهور، على أمل إنك تقريه وتفهميه كويس لما تكبري. 

 

أنا عارفة إني مش أحسن أم في الدنيا، ولا عمري هكون أحسن أم في الدنيا، بس أنا بحاول أكون أحسن نسخة من نفسي، وده عشاني وعشانك مش عشان حد واحد بس فينا، مقتنعة تمامًا بمبدأ إني لو مش سعيدة عمري ما هعرف أربي ابنة سعيدة، فبالرغم من كل الإحباطات اللي بتكون جوايا، بحاول دايمًا في الآخر إني أتحايل عليها، مرة أهزمها، مرة أعيد الشريط من أوّله يمكن أغيّر حاجات في البداية فتدي نتايج مختلفة.

 

وإنتي أصغر من كده لما كنتي لسة بتنامي جنبنا، كنت بهتم جدًا أراقب أحلامك، من ابتسامة صغيرة تبتسميها لحد ضحكة عالية بصوت، بعرف إني في اليوم ده قدرت أكون أم شاطرة سابت ذكرى حلوة حتى لو وقتية لبنتها الصغيرة، أما لو حلمك كان حزين أو مخيف، كنت بحضنك وأطبطب عليكي لحد ما تهدي تاني، وبعدين أخرج برة الأوضة وإحساسي بالذنب بيكون هيموّتني على أصغر تفصيلة صغيرة في اليوم ممكن تكون ضايقتك للدرجة دي.

 

قريت مرة حد بيقول إننا المفروض مننقلش لأطفالنا عقدنا النفسية، ونخليهم يكوّنوا عقدهم النفسية الخاصة بيهم.. طيب أنا مقتنعة إن الإنسان المعاصر بيعاني بشكل أو بآخر من عقدة ما، وبحس إن المرض النفسي زيه زي المرض البدني، عمرك سمعتي عن حد مجالوش ولو حتى برد طول حياته، ما عدا طبعًا دافيد دان.. مش هحرق الفيلم على حد بس لما تكبري ده هيكون من كلاسيكيات شيامالان.

 

بس خليني أقولك يا “مريم”، إني فعلاً خايفة أكون أنا عقدة حياتك من كتر ما بحاول إني مكونش عقدة حياتك، عارفة إنتي المعضلة دي؟ إنك تخافي على حاجة قوي لحد ما تبوظ منك، ينفع نطبقها على كل حاجة، على الحاجات المادية زي الهدوم والكتب، على العلاقات بين الناس، على العلاقة الزوجية، بس مش عايزاها أبدًا تتطبق على علاقتي بيكي.

 

يمكن أكون بتعصب، بتضايق، بعاقب، بدّي للشغل أحيانًا أكتر ما بديلك، للدرجة اللي خلتك وإنتي طفلة مكملتيش 5 سنين تسأليني وإنتي بتعيطي “هو إنتي أصلاً بتحبيني؟”، أنا اتصدمت من التساؤل ده، وإيه الشيء البشع اللي أنا عملته اللي يخلي طفلة تسأل السؤال ده! لحد ما أكتر من أم قالولي إنكم جيل من الدراما كوينز المصابين بالمراهقة المبكرة، بس حتى وإنتي بتعذبيني بأسئلتك الكبيرة جدًا عمريًا.. “آه بحبك جدًا”.

 

احتمال أكون مش بقدر أوصلّك الإحساس ده كويس، أو زي ما بتمنى، احتمال يوصلك عكسه تمامًا من الحاجات اللي بكتبها عنك، الصور اللي بنشرها، الحكايات اللي بحكيها، وعشان كده لازم أؤكدلك إني بحبك، بمنتهى المنطق اللي في الدنيا، لو مبحبكيش مكنتش هتكلم عنك طول الوقت، ومكنتش كل حاجة في الدنيا هتفكرني بيكي.

 

“بيكي” هي اسم الكلبة اللي جبناها، جبتها في الأصل عشان تلعبي معاها، وعشان أهزم خوفنا إحنا الاتنين من الحيوانات، أنا هزمت الفوبيا، وإنتي لسة بتخافي من الحيوانات كلها ما عدا “بيكي”، بدأتي تحاولي ترسميها، بتحكيلي عنها حكايات خرافية جدًا ولازم أبان إني مصدقة، بتنامي فوقها بكل أريحية؛ عارفة إنها مش هتعملك حاجة، غير إن ساعة لما تيجي تاكلي هي هتيجي تشد الشبشب من رجلك وتطلع تجري.

غالبًا لما تقري الجواب ده “بيكي” مش هتكون معانا، بس إنتي بتقوليلي إنك هتمشّي “بيكي” من البيت لما يبقى عندك “وان هاندرد” سنة، وتجيبي قطة صغيرة.

 

كان فيه كلام منتشر يا “مريم” بيقول، إن كل حد خلّى مامته تعيّط كتير، وأنا طبعًا عيطت كتير، مش بالضرورة يكون بسببك لأن في الأول والآخر إنتي طفلة، لكن غالبًا عشان حاجة تخصك، إحساسي الدائم بالتقصير وإن فيه حاجة كمان كان المفروض أعملها، تفكيري إن إنتي أكيد جتلك حساسية الألبان بسببي، أكيد إنتي مش عارفة تتعاملي مع العالم اللي برة كويس بسببي، وأحزن قوي وأنزوي وأعيط.

 

أقولك ليه أنا بكتب الحاجات اليومية الصغيرة اللي قد تبدو تافهة دي كتير؟ هقولك السر اللي أتمنى متزعليش لما تعرفيه.

أنا كنت في شدة الحزن لما اتولدتي، حسيت إني بني آدم ظالم وقاسي ومظلوم في نفس الوقت، حسيت إني في ورطة ومش عارفة أتعامل، مين النونو الصغير ده اللي معرفش حاجة عنه والمفروض أتعامل معاه، وقتها كنت بحاول أقاوم كل الأحاسيس دي بكتابة مواقف عبيطة جدًا، بتصويرك كتير “قبل ما ترفضي التصوير”.

 

حتى بعد ما كبرتي شوية، والحزن مشي شويتين، فضلت أكتب مواقفك الصغيرة اللي متهمش حد، بس اكتشفت يا “مريم” إني بنسى والكتابة هي اللي بتفكرني، وأرجع للحاجات الصغيرة اللي كتبتها في يوم وأستغرب إنك كنتي بالذكاء ده في سن صغير، وأنا أحب لما أنسى إني أفتكر الحاجات دي، لما بابا يخرج من البيت وأشغّل أغاني وأمسك إيدك ونفضل نرقص ونلف، ودايمًا لما نخلص تحضنيني وتقوليلي “بحبك يا مامي”. ليه مش بنعمل كده كتير؟ عشان لعنة الله على التعب والإرهاق والنسيان والزن والجري الدائم على الشغل.

 

طيب.. هل لما هتكبري، هتستوعبي إني كنت بقاوم فعلاً عشانك إنتي؟ أو بمعنى أصح، إنتي كنتي السبب الحقيقي ورا كل مقاومتي لكل حاجة. طيب هل هتضايقي من الكلام اللي كنت بكتبه عنك زي ما كنت بتضايق وأنا صغيرة لما كنت بسمع جدتك بتحكي عن الحاجات اللي عملتها لأصحابها ولقرايبها؟ بتمنى من ربنا إنه يكون لأ، لأنك فعلاً أحسن حاجة حصلت في حياتي، فحاولي تفهميني وتعذريني كبني آدم يصيب مرة ويخطئ عشرة، وإن أكيد أي حاجة عملتها كان لإحساسي إن هو ده الصح، حتى لو اكتشفتي بعدين إنه كان أكبر غلط، ممكن عادي تواجهيني بالغلط ، بس سامحيني لأني وقتها مكنتش أعرف.

 

مامتك

آيات (بطّلتي تقوليلي توتة)

المقالة السابقةلماذا لم أعد بطلة؟
المقالة القادمةاللي اتكسر يتصلح

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا