ألف حكاية وحكاية

565

رمضان دايمًا كان مرتبط عندي بحواديت ألف ليلة وليلة لشيريهان، حواديت الـ3 بنات الأخوات "كريمة وحليمة وفاطيمة" ومعاهم
مشكاح وريما.
طبعًا زيّ معظم أطفال التسعينات كنت بتفرج على بوجي وطمطم والفوازير وفطوطة، دون كلل أو ملل أو مسؤوليات، كنت لسّه وقتها
في مرحلة الهزار في ابتدائي، فكان مسموحلي بوقت أكبر مع التليفزيون، ومع ذلك كان دايمًا وقتي المفضل وقت حواديت ألف ليلة وليلة
ووقت تاني، وقت نهار رمضان في بيت جدتي الله يرحمها.

جدتي ملكة الحواديت.. جدتي اللي كانت بتدّي لرمضان طعم عمري ما هعرف أعيشه تاني.. طعم الحكايات والسحر والخيال والدفا.

أنا كنت صغيرة كفاية إني مقدرش أنضم لألعاب إخواتي والأقارب.. كنت أصغر فرد في العيلة وقتها، لذلك كان مكاني في نهار رمضان
مع جدتي في البيت، لإن إخواتي بيذاكروا ومش لازم أعطلهم بالتليفزيون أو اللعب، وبعد الفطار كان لهم لعبهم ع السلم بالفوانيس
والكورة.. وبصراحة جملة ماما "يلا عشان هتروحي لتيتة وجدو" كانت جملة سحرية، إني على معاد مع حكاية جديدة من جدتي.

كنت بقعد جنبها ع السرير وهي بتنقي الرز وحركات إيديها كإنها بتعزف على آلة موسيقية، تحكيلي عن البنات الحلوين اللي أساميهم
مكتوبة باللولي والمرجان في مغارة بعيدة مسحورة، وفي يوم هيوصلوا المغارة دي ويلاقوا أساميهم الحلوة بتنور زي النجوم.. وترسملي
نجمة بحبات الرز البيضا.

كانت بتسيبني وقتها أعمل مرجيحة من طرحتها الكبيرة الملونة بين أيادي السراير الخشب وأتخيل يا ترى فين المغارة المسحورة؟
كنت أجري عليها بعد حلقة ألف ليلة وليلة ما تخلص وأقولها قوليلي هيحصل إيه المرّة الجاية؟ طيب هينقذوا حليمة لمّا وقعت في البير؟
وليه مشكاح دايمًا شرير؟ طيب الأمير وردان هيتجوز مين؟

كانت دايمًا تضحك ضحكتها الدافية اللي بترن في ودني حالًا وتقولي "يا تتعلمي تصبري يا تتخيلي إيه اللي هيحصل بكرة".. فكنت
بغمض عيني وأتخيل.. ومع الوقت كان بيعدي رمضان ورا التاني، وكانت حكايات جدتي أكتر من ألف حكاية وحكاية.. كنت بسمعها
بشغف وأشاركها ساعات في الحكايات والأسئلة الكتير.. كان عندي "شهرزاد" ملكي لوحدي.

وفي يوم لما سألتها بتعرف كل الحكايات دي منين.. قالتلي الحكايات والحواديت بتزور الناس اللي بيحبوها وبيصدقوها.
وبيني وبينكم.. جدتي "زهرة" مكانش ينفع متتحبش.

أنا لسّه فاكرة السحور اللي كانت بتعمله بإيديها، وطقوسها على الفطار لما تتأكد إن كلنا فطرنا فتفطر هي، سبرتاية القهوة في البلكونة مع
جدي وأمي وخالاتي، فانوسي المنور أبو شمعة وطبق مهلبية قمر الدين من إيديها.. وعم علي المسحراتي لمّا ينده بأسامينا بالليل.

اقرئي أيضًا: أفكار لتزيين البلكونة بأقل التكاليف

رمضان في وجودها كان طعمه مختلف، كل حكاياتها عن الدنيا والبنات الحلوات، عن متعة الخياطة والطبخ، عن حبها لجدي وطباعه
الصعبة، عن قرايتها للفنجان ولما واحدة من خالاتي تتريق.. تكون بصيتها كفاية إنها بتتكلم جد.

جدتي.. كانت بتجسّد دايمًا عندي المعنى الحقيقي لبركة شهر رمضان، والسفرة اللي مبتنفضش لكل أهل البيت.. تحضيرنا لكحك العيد
وحكايات ليلة عيد الكحك معاها.

وفي رمضان ما، من شويّة سنين كتير.. "أدرك جدتي الصباح فسكتت عن الكلام المباح".. لكنها تركتلي ميراث من الحكايات يخليها
عايشة في كل أيام السنة بالنسبالي، وفي رمضان بشكل خاص بتزورني وبفتكر حكاياتها.. وقتها ببعتلها دعوة مع الملايكة والسما..
بتوصلها وبعرف إنها وصلتها كل ما ألاقي ربنا ألهمني بحكاية جديدة.

المقالة السابقةشهقة يا رمضان
المقالة القادمةإعلانات رمضان: ومات المشاهدون جميعًا
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا