أقضي رمضان وحدي هذا العام

1962

 

مرت الكثير من أيام شهر رمضان الذي شعرت بقرب قدومه قبلها بعدة أيام، حينما وجدت حبال الأنوار الملونة الملفوفة حلزونيًا على عواميد النور أمام البنايات المجاورة لبنايتي، قماش الخيامية مبعثر على الحوائط هنا وهناك، وبعض الأقمشة المرسوم عليها شخصيات الرسوم المتحركة القديمة تداعب ذكرياتي، شعرت ببعض الحظ غير الوافر حينما وجدت بنايتي هي الوحيدة غير المزينة، ولكن بعد يومين، أثناء عودتي من الخارج مُحمَّلة بالكثير من المشتروات في يدي، وجدتهم يعلقون زينة بنايتي.

ظهرت هذه الابتسامة التي اعتدت وصفها بـ”البلهاء” على وجهي، ثم للحظة رأيت نفسي طفلة صغيرة ترتدي فستانًا قصيرًا منفوشًا، أمسك في سعادة هذا العمود بإحدى يدَي ثم ألقي بجسدي في أقصى الاتجاه الآخر وأدور حوله في مرح وانطلاق.

استيقظت من حلم يقظتي هذا فتركت الأكياس من يدي، وأخرجت هاتفي المحمول لالتقاط بعض الصور لتوثيق اللحظة، ثم ارتديت وقاري مرة أخرى وحملت الأكياس. ومضيت في طريقي إلى المنزل.

صعدت إلى منزلي الخالي من الأنفاس، وقفت أنظر إلى أركانه وحوائطه البيضاء الخالية من الحياة أو الألوان، ربما في العام القادم سأكون بحال أفضل، ربما قد أكون اشتريت الستارة بلون التفاح الأخضر التي حلمت بها، وبعض الشلتات الملونة لتضيف بعض البهجة لأريكتي البنية المريحة. ربما أيضًا أشتري بعض الزينة الرمضانية لأعلقها في المنزل والشرفة، ربما سأشتري هذا المصباح المعدني الفضي الذي يحتوي على ثقوب يخرج الضوء منها على هيئة أشكال مختلفة، وأضعه في الشرفة بجانب بعض الزرع الأخضر، ثم أعلق حبال النور الملونة كستار منسدلة على الحائط وراءها، وعندما أنتهي، أمدد ساقي على الشلتات الملونة المرصوصة على الأرض، وأحتسي الشوكولاتة الساخنة وأنا أتأمل الأضواء والظلال على أنغام أم كلثوم التي تعزف على أوتار قلبي، فأشرع في الحنين حين تقول “وافتكرت فرحت وياك قد إيه” ثم أعود لصوابي مرة أخرى عندما تقول “وافتكرت كمان يا روحي بعدنا ليه”. ثم تأتي قطتي البدينة -التي ربما سأكون قادرة على العناية بها حينها- وتتكور على حجري وتنام كمن وجد أخيرًا راحته الأبدية.. فأنظر إليها بحب واندهاش وأبتسم برضا.

كعادتي مؤخرًا في الاستيعاب المتأخر، أدركت أنني سأتناول السحور وحدي لأول مرة هذا العام، لا أدري لماذا شعرت بالسوء عندما خطرت ببالي هذه الفكرة،  فأنا من هؤلاء الذين يحبون قضاء بعض الوقت وحدهم! ربما بسبب الأفكار الكثيرة التي ينشرها أصدقائي الذين يقضون رمضان بعيدًا عن أهلهم عن مدى كآبة هذا الوقت! أو هو مشهد أحمد حلمي المنتشر على الفيسبوك الذي تصاحبه موسيقى حزينة وهو يقف في نافذته أول أيام رمضان، وينظر بحزن على النوافذ المحيطة به، حيث يتجمع العائلات بسعادة على مائدة الإفطار، يأكلون ما لذ وطاب بينما هو وحيد يحمل في يده شطيرة برجر.

فكّرت في أصدقائي الذين يمرون بنفس الظروف، فقد رأيت هذا العام الكثير من منشورات “اعزموني ع الفطار، ما أنا مش هفطر لوحدي!”، يمكننا أن نقضي الوقت معًا، بالتأكيد سيكون هذا لطيفًا للجميع. هاتفتني إحداهن لتناول السحور اليوم، لم أكن في مزاج يسمح لي بقضاء اليوم مع أحد، ولكنها تبدو كخطة جيدة للأيام القادمة. 

مر أول سحور وحدي على خير، لم أشعر كما يقولون. كان يومًا مثل أي يوم. ولكني كنت أعلم أن الإفطار سيكون أصعب، فالإفطار تحديدًا له طقوس خاصة لديَّ، فأنا لا أحب تناول المأكولات السريعة على الإفطار ولا أحب الطهو.. بل أحب الطهو، ولكن فقط حينما يجعلني أستمتع بأصوات التلذذ التي تخرج من أحبائي بنَهَم واستمتاع وهم يأكلون ما أعددته لهم بحب. وحينما أستمتع بعده بالشعور بالامتلاء على الأريكة أمام التلفاز إلى حد السقوط في غفوة في أحضان من أحب.

سأتمكن من قضاء بعض الأيام مع العائلة، وسوف أستمتع باستضافة أصدقائي في منزلي في العديد من الأيام الأخرى، ربما أطهو لهم وأغفو معهم! سأحاول التخطيط ليوم ما أستمتع فيه مع نفسي، ربما أستطيع أن أضيف عليه بعض اللمسات لأجعله ألطف. أطهو لنفسي ما أحب وأعد مائدة إفطار مزينة بالشموع والبخور والآطباق الملونة، ومليئة بالعصائر والمخللات والسلطات التي أشتهيها، ثم أستسلم للشعور بالامتلاء وغفوته في حضن الكرسي الهزاز أمام التلفاز، ربما أيضًا أشتري ثوبًا جديدًا مناسبًا للأجواء الرمضانية وأتعطر بعطر هادئ ثم أذهب لصلاة التراويح عندما أستفيق من نشوة الامتلاء.

أطمئن قلبي قليلاً لأن لديَّ خطة ما، لا أعلم هل سيروقني هذا أم سأشعر مثلهم، ولكني لن أعلم حتى أتمم خطتي تلك بنفسي. فربما لا تكون بهذا السوء.

 

المقالة السابقةكيف تجيب على اسئلة الاطفال عن الله ؟ إليك الإجابة
المقالة القادمةإعلانات رمضان.. شغف القرب من الناس والحياة اليومية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا