أصعب حب

1309

 

بقلم / ياسمين فتحي الريس

 

الجميع يتكلم عن الحب.. الكل يحب من وجهة نظره.. للحب مذاهب.. وكل منا يحاكيها على طريقته، واتفقنا على ألا نتفق أن هناك معنى واحدًا للحب أو وصفًا دقيقًا له.

في حقيقة الأمر أرى أن الحب الحقيقي شعور لا يوصف، أتذكر جيدًا في طفولتي الأغنية الشهيرة لفيلم ديزني علاء الدين “A whole new world” والتي كانت تمثل حوارًا رومانسيًا حالما بين علاء الدين وياسمين، سألها:

Tell me princess when did you last let your heart decide?

أخبريني أميرتي متي كانت آخر مرة سمحتِ لقلبك يأخذ قرارًا

وتمضي مقاطع الأغنية ثم تصف ياسمين شعورها:

Unbelievable sights indescribable feelings….

مشاهد لا تصدق ومشاعر لا توصف

 

كان ذلك على البساط السحري.. حقًا الحب يأخذنا إلى ما يجتاز حدود الواقع ويتعدى القدرة علي التعبير.

ورغم تعدد نظريات الحب واختلافها فعلى سبيل المثال تطرقت نظرية روبرت سترنبرج الشهيرة لمثلث الحب لاعتبار الحب مثلثًا من ثلاث رؤوس “الحميمية، العشق، الالتزام”، وبناء على مدى توافر هذه المكونات يمكنك تقييم علاقتك ومدى احتمالية استمرارها من عدمه، إلا أن قناعتي الخاصة في الحب: كذب علماء النفس ولو صدقوا.. وأن الحب لا يخضع لقوانين العلماء ونظرياتهم.

 

ومن خلال نظرية مثلث الحب، تفكرت كثيرًا: ما هي أصعب أنواع الحب؟ فوجدت أنني أخرج بشكل لا إرادي خارج حدود النظرية، وجدت أن تجربة الحب للمرة الأولى من طرف واحد قد تكون أقسى أنواع الحب.

تعرفي على: قوانين الحب السبعة بين الزوجين

هناك اتفاق على أن تجربة الحب الأولى في معظم الأحيان هي تجربة واعدة تحمل الكثير من المشاعر النقية الرقيقة، تأخذ صاحبها إلى ما يجتاز حدود الواقع إلى عالم الأحلام، يحلق في عنان منفصل عن العالم، يرسم أدق تفاصيل حياته مع الطرف الآخر، مستعدًا أن يبذل الغالي والنفيس لتحقيق أمله الذي توقفت حياته عليه، أن أكون مع من اختاره قلبي رغمًا عني دون إرادتي.. ورغم كل ذلك فإن تجربة الحب الأول ينقصها الكثير من الخبرة والوعي.

 

ورغم قناعتي الشديدة بذلك فإن الشعور في حد ذاته قد لا يجربه المحب مرة أخرى، كما أن براءة التجربة تجعله يتصرف بشكل عفوي دون أن يشعر أن تصرفاته ملحوظة. فحقًا “الحب تفضحه العيون”، وإذا اعتقد المحب أن لا أحد يدرك سريرته فلا أذيع سرًا إن فاجأته بأن عينيه أعلنتا للعالم منذ فترة وأن العالم منقسم بين مشفق عليه وسعيد به وآخر يحسده، أما هذا فيسخر منه وهذه تتحدث من خلفه وتلك حزينة من أجله، ويكون سوء الطالع مكتملاً حين يكون الشعور غير متبادل، هو شعور جامح ولكن من طرف واحد.

 

ينهار سقف توقعاته ويصطدم بالواقع الذي طالما هرب منه إلى فلكه الخاص، هو له عقيدة خاصة متفردة في قصته لا يعترف بنظريات وحقائق. يتألم المحب ويعاني مشاعر الاهتزاز وعدم الثقة وتتخبط قراراته. يرتبك لفترة قبل أن يحاول التجاوز كي تستمر الحياة. قبل أن يستفيق ويقرر أن يبدأ من جديد. قبل أن يدرك جيدًا أنه لا زال لديه من الوقت وتجارب الحياة ما يستحق أن يعيش له، وأن يقتنع بالمقولة في الأغنية الشهيرة “لكل اثنين ميعاد مكتوب في علم الغيب يسميه البشر صدفة”.

 

أما أنا فقناعتي أكثر بأن الحب رزق من الله يأتينا في موعد لا نعلمه. قد تطول هذه الفترة الصعبة للقدرة على التجاوز وقد تقصر حسب المقومات الفردية لكل فرد، وحسب مدى صدق التجربة، إلا أنها تظل تجربة تستحق الوقوف أمامها. فالحب شعور نبيل لا يمكن تجاهله رغم سوء استخدام الكثيرين له.

 

ولن أجد أفضل من أبيات الشاعر العظيم فاروق جويدة في الحب، التي جمع فيها تجربته ومطلبه في الحب بين الماضي والحاضر والواقع:

وأريد صدرًا لا يساومني لا عمري ولا يأسي على ماضٍ عبر

إني سأرحل حينما يأتي قطار الفجر.. لا تحزني لأجلي لا تلومي الدهر إن يوما غدر

إني أحبك رغم أن الحب سلطان عظيم.. عاش مطرودًا وكم داسته أقدام البشر!

مشاهد لا تصدق ومشاعر لا توصف

 

المقالة السابقةالحب في زمن الفيس بوك
المقالة القادمةسمَّيتها فريدة
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا