أريد طفلاً آخر ولكن…

1817

ايات

تم نشرة في 04/04/2017

 

 

هل شاهدتم فيلم Lion أو تعرفون قصته؟ من شاهده منكم يعلم أن الطفل الهندي بطل الحكاية، تبنته أسرة أسترالية جميلة، ليس لأنها لا تستطيع إنجاب أطفال، ولكن لأنهم لا يريدون، فالعالم مليء بالأطفال الذين لا يريدهم أحد، فلما إذًا يأتون بالمزيد من الأطفال إلى هذا العالم، بدلاً من تربية طفل موجود بالفعل لا يملك عائلة تحبه؟!

 

يبدو هذا الكلام جميلاً عندما نراه على شاشات السينما أو نقرأه في الروايات، بغض النظر عن كونه قصة حقيقية أم لا، ولكن إن جرؤنا على الجهر بمثل هذه الفكرة في العلن أمام المجتمع المصري المتدين بطبعه، فإن أول ما سنُتَّهم به هو الكُفر بنعمة الله التي أنعمها علينا، وهي القدرة على الإنجاب، وأن هناك أخريات يتمنين “ضفر عيّل”.

 

في الحقيقة أنا أكثر أنانية من ذلك، فأنا لا أريد المزيد من الرُّضّع من حولي، لا أريد أن أمر بتجربة الحمل والولادة وأول عامين من عمر الطفل من جديد، هذه الفترة من حياتي كانت عذابًا مقيمًا، ولا أريد تكراره مرة أخرى. وفي نفس الوقت أريد طفلاً آخر، لسبب عاطفي لا يمكنني أن أشرحه بكلمات.

 

أتوقع أن تأتيني ردات فعل سلبية بسبب هذا المقال، فأنا لأول مرة أفجُر وأقول كلامًا غريبًا عن المنتظر مني، وما الذي لا تحبينه في الحمل! والإنجاب هو سنة الحياة، والطفل إن لم يرضع منك لن تشعري معه بعاطفة الأمومة. ألا تحبين ابنة أخيك؟ هل كنت تكرهين ابنتك عندما كانت رضيعة؟

 

في الواقع كلها أسئلة سخيفة للغاية، سأحاول أن أجيب عن بعضها، نعم أنا أكره الحمل، أكره وجع الظهر وانسحاب الكالسيوم من العظام، وعدم القدرة على النوم بشكل كافٍ، وعدم القدرة على النوم من الأصل. آلام الولادة، التدخل الشديد في كل الاختيارات، وعدم وجود القوة الكافية لمحاربة هذا التدخل. البكاء طوال اليوم بمفردي، البكاء طوال الليل بمفردي، والاكتئاب الشديد حتى أنني لم أستطع إرضاع طفلتي. 

 

كان هذا الأمر في الواقع هو الشيء الوحيد الجيد بالنسبة إليّ، لأني كنت أكره الرضاعة الطبيعية وألمها الشديد، ولكنه بالتأكيد جعلني أقف أمام مدافع الاتهامات بأنه “حرام عليّ مرضَّعش بنتي”، وكأني أشفّط اللبن من صدري ثم أرميه في الحوض مُخرجة لساني للرضيعة الجائعة. 

 

أنا أحب ابنتي، أقول هذه الجملة البديهية قاطعة الطريق أمام المتحذلقين الذين سيسألون إن كنت أحب ابنتي أم لا، ولكني فقط لا أحب مهام الأمومة شديدة الثِّقل، بالتأكيد لا أحب تغيير الحفاضات ذات الرائحة الكريهة، ولا هدهدة منتصف الليل، ولا التدريب على استخدام التواليت، وصراخ التسنين الذي يسبب صداعًا لعينًا. بالتأكيد أحب ابنة أخي، ولكني ألهو معها فقط، ولا أقوم معها بمهام التربية والعناية والرعاية.

 

يرى الكثيرون أني أُضخّم أمورًا بسيطة تقوم بها القطط في الشارع، حسنًا يا جماعة، أنا شخص “أوفر”، لن أنكر ذلك، كما أني لا أنكر أني أرى في طلب الله منا بأن نعمّر الأرض، أنه بالتأكيد -جل جلاله- لا يعني أن نستمر بالإنجاب دون خطة ورؤية إلى أين يتجه بنا هذا الكوكب التعيس، ولكن أن نتدبر أمورنا ونعمر ما هو موجود بالفعل؛ من قال إن الإعمار يكون بإنجاب أطفال من أرحامنا فقط؟!

 

تشدني قصة سيدة على صفحة Humans of New York، أفاجأ أن هناك شخصًا آخر على هذه الأرض يفكر كما أفكر، تقول السيدة إنها أنجبت طفلاً من قبل، وكانت تريد تبني طفل آخر، فهي تريد أن تكون أمًا للمرة الثانية، ولكنها لا تريد طفلاً رضيعًا، تريد طفلاً أكبر قليلاً. تريد أن تصبح أمًا مرة أخرى، ولكن دون صدر متألم. أشكرك أيتها السيدة، عرفتيني أنني لست وحدي في العالم.

 

قد يتساءل البعض “يعني عايزة طفل ع الجاهز؟”، أوك، وما الضرر في حدوث ذلك ما دام شيئًا ممكنًا؟! أنا أريد ذلك، وهناك بالفعل العديد من الأطفال “الجاهزين” والذين لا يريدهم أحد، ملقى بهم في ملاجئ لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية، يُعذَّبون لأنهم فتحوا باب الثلاجة دون موافقة المشرف، يستحمون في الشتاء بماء بارد، ويباعون للأغنياء البيدوفيليين*.

ما الضرر إذًا من إنقاذ نفسي وابنتي وطفل آخر جديد يجد في هذه الأسرة الصغيرة، عائلة مُحبة وحنونة.

 

ولكني أعلم أنني في النهاية لن أقوى على ذلك، المجتمع بأكمله سيقف في وجهي، أهلي كذلك سيرفضون هذا الأمر، لم أطرح هذا الموضوع مع زوجي من قبل فلا أعرف رأيه. أعلم أنني لن أستطيع تنفيذ هذه الرغبة التي أراها إنسانية طبيعية، وأعلم أيضًا أنني لو كنت حرة التصرف 100%، لكنت حققت هذه الأمنية دون ذرة تفكير واحدة. لذا أنا أعتذر منك أيها الطفل الذي لم أستطع أن أنتشلك من عالم الظلام الذي تعيش به، فأنا أجبن من ذلك.

_______________

 

المقالة السابقة9 بدائل رخيصة لمنتجات العناية بالبشرة والشعر
المقالة القادمةعن “حسن” و”كريم” و”محمود”.. أولاد الشارع والقلب

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا