الأشباح التي تدق

641

بقلم/ سارة الخشاب

 

طك.. طك.. طك.

– ما هذا الدق؟! لا تخافي إنها تهيؤات.. نامي.

– طك.. طك.. طك.

– لا.. لا.. لا يوجد دق.

لا يمكنني تجاهل الأمر، قلت لكِ لا يوجد شيء.

إن كان لا يوجد شيء فسأقوم لأرى.

***

عندما كنت طفلة كانت أشباحي تتصف بالأدب الشديد.. فكنت أحلم دائمًا بغوريلا (لا أعرف لماذا كنت أخشاها بالذات) تدق على نافذة غرفتي أو نافذة الحمام، وكان هذا الدق يرعبني، كنت أخاف بشدة من المنتظرين تحت السرير ليمسكون بقدمي عندما أنزل من سريري ويخربشون شيئًا ما تحت السرير، كنت أرتعب من الدق الآتي من حجرة الصالون التي تشترك حجرتي معها في نفس الجدار.

 

ولكنى كنت فتاة وحيدة.. ينام أبي وأمي في غرفة.. وأخواي معًا في غرفة.. ولا أمل أن ينقذني أحد.. فلم يكن أمامي خيار إلا أن أواجه، فعندي مدرسة صباحًا ويجب أن أنام، ولن يجدي القلق.

 

كنت أستجمع شجاعتي وأقوم.. أفتح النور.. أنظر تحت السرير.. لا يوجد شيء.

أذهب إلى غرفة الصالون.. النور.. لا يوجد شيء.. أبحث جيدًا في كل ركن.. علّه يكون مختبئًا.. لا يوجد شيء.

الخطوة التالية.. الحمام.. فتّشي جيدًا.. النافذة.. لا يوجد شيء.. حسنًا.. سننام في هدوء الآن.

هكذا تعوّدت أن أواجه كل مخاوفي.

ولكني كبرت.. وكبرت الأشباح معي، ونبتت لها “كروش” ونظارات وكنزات بيضاء وتدلت من آذانها سماعات.

 

نعم، فشبحي عندما كبرت كان هو المرض والأدوية والأطباء والمستشفيات، مرض أبي الذي شرخ نفسيتي على مدى سنوات، مرض أمي الذي شقق الشرخ في نفسيتي إلى شروخ أصغر.

وأخيرًا مرضي أنا الذي كان يشبه أشباحي الصغيرة كثيرًا، كان متأدبًا أيضًا، ودق الباب ونبهني قبل أن يتفاقم الأمر، وقال “أنا هنا”. وكما فعلت مع أشباحي الصغيرة لم أتهاون أن أواجهه وأكتشفه وأتخلص منه، قضيت مراحل من عمري لا أعرف أي طرق أخرى غير المستشفيات وعيادات الأطباء وغرف العمليات، واجهتهم جميعًا بكثير من الجهد والألم والانتظار وتوقع الأسوأ، ولكني -أخيرًا، والحمد لله- بعد تفتيش جميع الغرف وصلت إلى المرحلة النهائية التي أحبها جدًا “الآن لا يوجد شيء”.

 

وقررت أن أنسى الأشباح وأنام، أنام وسط حلمي بمستقبلي، ووسط المرح والأصدقاء والأمل، وسط حلمي الأكبر بنهضة بلدي، وأنسى..أنسى كل ما كان من ألم وكآبة، وأدفن خوفي.. وقد فعلت.

 

ولكني مؤخرًا.. سمعت دقًا آخر، دقًا يقول إنه يوجد احتمال أن يصيبني المرض مرة أخرى، أو أن يكون هناك استعداد وراثي لشيء ما.. الحقيقة أنني لأول مرة لا أجد في نفسي ما يدعوني إلى المواجهة هذه المرة، لا أريد أن أقوم من أحلامي الجميلة لأبحث عن الشبح المختبئ.. أريد أن أكمل نومي وسط أحلامي في هدوء؛ لا أريد إزعاجًا.. فأحلامي كبيرة لا مكان للأشباح فيها.. أريد أن أكمل نومي، أو بالأصح يقظتي.. يقظتي في العمل وخطوات بناء مستقبلي.. لا أريد أن أخشى شيئًا، ولذلك قررت ألا أواجه الأشباح هذه المرة، وأن أتجاهلها وأكمل.. وإن أصرّت أن تأتي فستأتي في وقتها، لن أجري خلفها، وعندئذ.. كما عوّدتْني.. سوف تدق.

المقالة السابقةبلا هم
المقالة القادمةأحبني كما أحب نفسي
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا