2017 عام الأحداث الكبيرة

465

“في 2014 تم تشخيص ابنتي ذات ثلاث سنوات خطأ بأنها تعاني من سمات التوحد”.

يخبرني الطبيب أن طفلة دائمة الصراخ في وجه الغرباء، تخشى التواصل، لا تتعامل إلا بالرسم، حتمًا تعاني من سمات توحد، في المواقف المشابهة عادةً ما تذهب الأمهات إلى طبيب آخر ليُكذب أو يؤكد تشخيص الطبيب الأول. في الحقيقة أنا لم أفعل ذلك لم أذهب إلى أحد، تجاهلت الموقف برُمَّته، لم أعِده حتى بيني وبين نفسي.

يقولون إن للأمهات قلوبًا لا تكذب، وأنا لم أركِ سوى طفلة خجولة تخشى العالم، على صغر سنها موهوبة جدًا في الرسم، في مقايسي الخاصة أنت محور الكون والعالم يدور في فلكك، وإن كان هناك فرصة واحده في العالم فلا بد أنك أنت من يستحقها.

منذ رزقني الله بكِ لم أعد أفكر بشكل فردي، لم يعد في قاموسي “أنا” بل “نحن”، أصبحنا شخصًا واحدًا، أؤجل كل مشاريعي للعمل وللدراسة من أجلك، يتغير كل شيء، يصبح اللقب الأقرب إلى قلبي هو لقب “ماما”، يبدأ يومي معك ويتنهي بكِ، أنت رفيقة سنوات الغربة الأولى، لا شيء في العالم أهم من أن أراكِ طفلة طبيعية.

أحاول أن أفتح لكِ عوالم رحبة، أحاول أن أخرجك من عزلتك، جعلت من جدران المنزل نوافذ جديدة للمعرفة، مساحات بيضاء كبيرة تعيدين أنت اكتشاف الألوان عليها، وأعيد أنا اكتشاف العالم من خلال رسوماتك. قرأت كل شيء عن تنمية المهارات والرسم والتأخر اللغوي والتوحد.

أكتشف نفسي معك.. أبدأ من جديد، أُغيِّر مجال دراستي من أجلك، تخرجت في كلية الإعلام، تخصصت بعد سنوات الكلية في تحليل الخطاب السياسي، الآن أسجل في إحدى الجامعات في تخصص بعيد عن دراستي الأصلية وأدرس “التربية الخاصة”، وبنفس الوقت أبدأ بتنمية موهبتك في الرسم، نتعلم ونذهب لتلقي دروس الرسم، نكتشف الألوان والخطوط، نعيد صياغة لوحتنا الخاصة.

ثلاث سنوات تنقلنا خلالها بين القاهرة ودبي، لا تقاس المسافة فيها بعدد ساعات الطيران ومشقة السفر، بل بالصبر والأمل.

قلبي لم يخذلني.. صدق حدسي، أنتِ طفلة جميلة وموهوبة وطبيعية جدًا، ربما كنتِ تعانين من تأخر لغوي، لكننا تداركنا ذلك الأمر. مضت ثلاث سنوات اختبرت خلالها معك كل شيء، حاولنا معًا ونجحنا معًا تغلبنا على كل الصعاب، كل تجربة مررنا بها هي نتفة زجاج صغيرة لم ألتفت لما تركته في روحي من جروح، يكفي أن ألونها وأجمعها لأكون بلورتك الخاصة التي منحتك السعادة والرضا.

الآن أنت طفلة لا تكف عن سرد الحكايات الملهمة، لا تكف عن تلوين حياتي بفرشاتك السحرية، يكفي أن تقولي” ماما بحبك” لأشعر أن العالم كله يبتسم لي.

مع نهاية 2017، لا أعلم من منا الذي ساعد الآخر، من منا الذي منح الآخر فرصة لاكتشاف ذاته الحقيقية. انتهيت أنا من دراستي الجديدة، حصلت على ثلاث دبلومات في مجال التربية الخاصة، وأستعد الآن لتسجل رسالة الماجستير عن الموهبة. فتحتِ لي عوالم إنسانية رحبة وواسعة ما كنت لأكتشفها دونك.

مع نهاية 2017 انتهيتِ أنت من دراسة خمس مستويات للرسم الاحترافي، الآن أنظر إلى المشوار الذي قطعناه معًا، أنظر إلى البدايات المؤلمة التي أنجزت عملها وأصبحت نهايات سعيدة، أنظر إليك وأنت تكبرين وأنظر إلى موهبتك التي تتطور وأشعر بالفخر يملأ قلبي والعالم يضيء.

المقالة السابقة“حمام الدار” الذي يغيب مثل أي شيء آخر
المقالة القادمةالجنس وأنا.. عن الحكايات الجنسية الشائكة
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا